للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عرف الناس وعاداتهم وتوفير المصلحة التي لا يعقبها نزاع، وكون الحق فيها مقصوراً على من حددهم الشرع لحكمة معينة (١).

وبما أن قريشاً كانت لها الصدارة بين العرب، وتألف شؤون المدنية والاجتماع ويتبعها أكثر الناس، وكلمتها نافذة بين القبائل منذ الجاهلية، فمن المصلحة إناطة الأمر العام والسياسة بها، فإذا تغير الأمر وأصبحت الغلبة لمن ترضى عنه أكثرية الناس بالانتخاب ونحوه، فلا مانع في تقديري من عقد الإمامة له، كالخلافة العثمانية ونحوها.

ومن هنا رأى ابن خلدون أن الحكمة في اختصاص قريش بهذه الميزة هي كونها صاحبة العصبية التي تكون بها الحماية والمطالبة، ويرتفع الخلاف والفرقة بوجودها لصاحب المنصب، فتسكن إلىه الملة وأهلها، وينتظم حبل الألفة فيها.

وعقب الدكتور ضياء الدين الريس وغيره على ذلك بأن الإسلام لما لم يقر فكرة العصبية كغاية في التشريع أو كأساس في تكوين المجتمعات، فإن المعول عليه توفير القوة والطاعة، وبما أن ذلك لم يعد يعتمد على العصبية كما كان في الماضي، بل أصبح مستمداً من نظام الدولة وما تملك من جيوش، فإن هذا الشرط لم يعد ضرورياً، ويكفي أن يختار الخليفة بالطريقة المشروعة، وأن يحوز رضا المسلمين.

ويلزم من هذا أن يكون الشرط الآن هو أن القائم بأمور المسلمين يجب أن يكون متبوعاً من الكثرة الغالبة، ليكون مطاعاً مرضياً عنه، ذا قوة مستمدة من الإرادة العامة، فيترتب على وجوده حصول الوحدة، وتنتفى دواعي الخلاف (٢).


(١) قارن النظريات السياسية الإسلامية للدكتور الريس: ص ٢٥٤، حيث اعتبر شرط النسب منافياً لمبدأ المساواة المقرر في الآيات والأحاديث النبوية.
(٢) النظريات السياسية، المرجع السابق: ص ٢٥٧، السلطات الثلاثة للدكتور سليمان الطماوي: ص٢٥٩ وما بعدها.

<<  <  ج: ص:  >  >>