للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

النصيحة .. » (١) الحديث السابق ذكره. وقوله: «لا تكونوا إمَّعة (أي مع الناس) تقولون: إن أحسن الناس أحسنا، وإن ظلموا ظلمنا، ولكن وطِّنوا أنفسكم: إن أحسن الناس أن تحسنوا، وإن أساؤوا فلا تظلموا» (٢) «أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر» (٣).

وسيرة الخلفاء الراشدين في احترام حق النقد وضرورته خير شاهد عملي على إبراز قيمته وأهميته في الإسلام، كما قال عمر رضي الله عنه: «أيها الناس، من رأى فيَّ اعوجاجاً فليقوِّمه» فيجيبه أعرابي: والله يا أمير المؤمنين لو وجدنا فيك اعوجاجاً لقومناه بسيوفنا هذه، فيقول أمير المؤمنين مغتبطاً: «الحمد لله الذي جعل في هذه الأمة من يقوِّم اعوجاج عمر بسيفه إذا اعوج». وفي حادث آخر قال رجل لعمر: «اتق الله يا أمير المؤمنين، فرد عليه آخر: تقول لأمير المؤمنين: اتق الله؟! فقال عمر: دعه فليقلها، فإنه لا خير فيكم إذا لم تقولوها، ولا خير فينا إذا لم نسمعها منكم».

والحرية لا تتجزأ في مفهوم الإسلام، ولا ينفصل جانب الدين فيه عن السياسة والمدنية وغيرها، فإن حدث خطأ في تطبيق أحكام الدين، أو خلل في خط السياسة الإسلامية، أو مصادره للحقوق المدنية في المعاملات الحرة والتصرفات الشخصية، كان لأي مسلم توجيه النقد فيه للحاكم ورده إلى الصواب، كما حصل من المرأة التي عارضت سيدنا عمر عندما أراد وضع حد لغلاء المهور، وجواب عمر لها بقوله: «أصابت امرأة وأخطأ عمر». وكما حدث


(١) رواه مسلم عن أبي رقيَّة تميم بن أوس الداري.
(٢) رواه الترمذي عن حذيفة بن اليمان.
(٣) رواه ابن ماجه عن أبي سعيد الخدري، ورواه أحمد وابن ماجه والطبراني عن أبي أمامة، ورواه غيرهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>