للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ونادى آخرون مع ظهور نظرية العقد الاجتماعي لروسو بأن الأمة مصدر السلطات، أي هي التي لها حق التشريع، وهي التي تعين الحكام وتمنحهم السلطة والسيادة. ولكن هذه النظرية لم تمنع الاستبداد، وإن أخذت صفة الديمقراطية؛ لأن بعض الحكام استبدوا بالسلطة متذرعين بأنهم يمثلون إرادة الشعب المقدسة.

والإسلام لا يقر جعل الأمة مصدر السلطة التشريعية؛ لأن التشريع لله وحده، والأمة وحدها صاحبة الخلافة في الأرض في تنفيذ أحكام الشريعة، والخليفة وأعوانه وقضاته وكلاء عن الأمة في أمور الدين وفي إدارة شؤونها بحسب شريعة الله ورسوله، ولها حق نصحه وتوجيهه وتقويمه إن أساء، وعزله إن انحرف، فهو يستمد سلطانه من الأمة بعقد البيعة أو الوكالة، ويكون مصدر السيادة حينئذ هو الأمة الموكل الأصلي، لا الوكيل النائب عنها. والأمة في المجتمع المسلم أو الديمقراطية الإسلامية ملتزمة بالقانون السماوي والأخلاقي ومقيدة بمبادئه، فالسيادة في الإسلام مبنية على حق إنساني ناشئ عن جعل شرعي. وبذلك تكون الأمة والشريعة معاً هما صاحبا (السيادة) في الدولة الإسلامية، بمعنى أن السيادة الأصلية لله تعالى، فيرجع إليه في الأمر والنهي، والسيادة العملية مستمدة من الشعب الذي يعين أهل الحل والعقد أصحاب الرأي والاجتهاد في ضوء مبادئ الشريعة (١). قال المرحوم الأستاذ عبد الوهاب خلاف (٢): «وهذه الرياسة العليا مكانتها من الحكومة الإسلامية مكان الرياسة العليا من أية حكومة دستورية؛ لأن الخليفة يستمد سلطانه من الأمة الممثلة في أولي الحل والعقد،


(١) راجع النظريات السياسية الإسلامية للريس: ص ٣٢٠ - ٣٤١، مقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للأستاذ علال الفاسي: ص ٢٠٩ - ٢١٥، منهاج الإسلام في الحكم لمحمد أسد: ص ٧٧ - ٨٦، نظام الحكم في الإسلام ليوسف موسى: ص ١٢٣ - ١٢٧.
(٢) السياسة الشرعية: ص ٥٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>