للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بعضكم أن يكون ألحن (١) بحجته من بعض» (٢) وباتساع الدولة عهد الرسول صلّى الله عليه وسلم إلى بعض الصحابة بالقضاء، فبعث علياً كرم الله وجهه إلى اليمن للقضاء بين الناس، وبعث إليها أيضاً معاذ بن جبل رضي الله عنه. وولى عتَّاب بن أسيد أمر مكة وقضاءها بعد فتحها.

وسار الخلفاء الراشدون على هذا المنهج، فتولى عمر القضاء في عهد أبي بكر فظل سنتين لا يأتيه متخاصمان، لما اشتهر عنه من الحزم والشدة. وتم في عهد عمر بأمره فصل القضاء عن الولاية الإدارية، وعين القضاة في أجزاء الدولة الإسلامية في المدينة ومكة والبصرة والكوفة ومصر (٣). فكان عمر هو أول من وضع أساس السلطة القضائية المتميزة، كماكان أول من وضع الدواوين كما عرفنا، وأول من وضع دستور القضاء في رسالته المشهورة إلى أبي موسى الأشعري (٤)، وأول من استحدث نظام السجون، وكان الحبس في الماضي هو ملازمة المتهم من قبل المدعي أو غيره في منزل أو مسجد، وكان قضاء القضاة المستقلين عن الخليفة محصوراً في المنازعات المدنية المالية (٥). أما الجنايات الموجبة للقصاص أو الحدود فبقيت في يد الخليفة، وولاة الأقاليم ذوي الولاية العامة. وأما ولاة الإمارة الخاصة، فلهم فقط حق استيفاء الحدود المتعلقة بحقوق الله تعالى المحضة كحد الزنى جلداً أو رجماً، أو المتعلقة بحقوق الأشخاص إن طلب طالب منهم ذلك (٦).


(١) أي أفطن بها وأبصر.
(٢) الحديث الأول رواه البيهقي والثاني غير ثابت بهذا اللفظ، والحديث الثالث رواه الجماعة عن أم سلمة (نيل الأوطار: ٢٧٨/ ٨، كشف الخفا: ص ٢٢١ وما بعدها).
(٣) القضاء في الإسلام لعارف النكدي: ص ٧٩.
(٤) أنظر أعلام الموقعين لابن قيم: ٨٥/ ١ وما بعدها، الأحكام السلطانية للماوردي: ص٦٨.
(٥) الإسلام والحضارة العربية للأستاذ محمد كرد علي: ١٥٤/ ٢.
(٦) الماوردي، المصدر السابق: ص ٣٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>