للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أعظم الواجبات التي اهتم بها فقهاء الإسلام وخلفاؤه، فأبانوا شروطه، ووضعوا خطته وحددوا طرق الفصل بين الناس تحديداً دقيقاً، وكان اختيار الخليفة للقاضي مثلاً فذاً من أمثلة الحفاظ على مصالح الناس (١)، لأن غاية القضاء التي يمتاز بها في الإسلام هي إقامة العدل باعتبار أن العدل هوقوام العالمين، لا تصلح الدنيا والآخرة إلا به (٢)، فكان العدل هو شعار فض الخصومات والمنازعات بين الناس. ومن أهم ضوابط العدل هو تنفيذ أحكام شريعة الله دون تفرقة بين الحاكم والمحكومين، لأن الكل خاضعون لحكم الله.

فمن تنظيمات القضاء الإسلامي أنه خصص للنظر في محاكمة أصحاب النفوذ والولاة وعمال الدولة ما يعرف المظالم (٣) التي تشبه (مجلس الدولة) في بعض اختصاصاته الآن (٤). قال المرجاني في وفية الإسلام (٥): النظر في المظالم وظيفة أوسع من وظيفة القاضي ممتزجة من السطوة السلطانية، ونصفة القضاء، بعلو بيِّن، وعظيم رغبة تقمع الظالم من الخصمين، وتزجر المتعدي، ويمضي ما عجز القضاة ومن دونهم عن إمضائه، ويكون نظره في البينات والتقرير واعتماد القرائن والإمارات وتأخير الحكم إلى استجلاء الحق وحمل الخصم على الصلح، واستحلاف الشهود، وكان الخلفاء يباشرونها بأنفسهم إلى أيام المهتدي بالله، وربما سلموها إلى قضاتهم. وعلق الأستاذ الكتاني على ذلك بقوله: هذه الوظيفة كان يليها المصطفى صلّى الله عليه وسلم بنفسه؛ لأنه كان ينتقد أحكام قضاته وعماله ويناقشهم (٦).


(١) ر: السياسة الشرعية لابن تيمية: ص: ٢٠ و ١٥٢، وباب القضاء في كتب الفقه.
(٢) المرجع السابق: ص ١٥٦.
(٣) قال الماوردي في الأحكام السلطانية: ص ٧٣: نظر المظالم: هو قود المتظالمين إلى التناصف بالرهبة وزجر المتنازعين عن التجاحد بالهيبة.
(٤) التراتيب الإدارية للكتاني: ٢٦٦/ ١، النظريات السياسية الإسلامية للدكتور الريس: ص ٦٧.
(٥) ص: ٣٦٦.
(٦) التراتيب الإدارية، المكان السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>