للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وطبق الرسول عليه الصلاة والسلام المبدأ أولاً على نفسه، فأعد نفسه للقوَد (القصاص) ممن جلده أو شتمه أو أخذ منه ماله بغير حق (١)، وكذلك فعل أبو بكر وعمر وبقية الخلفاء الراشدين، وكان الخليفة الراشدي يعلن مبدأ المساواة بصراحة في أول خطبة سياسية يلقيها بعد توليه الخلافة. وكان هذا المبدأ أهم المبادئ التي جذبت قديماً نحو الإسلام الكثير من الشعوب الأخرى، كما لاحظ بعض المستشرقين (٢).

ولا شك أن تحقيق المساواة منوط باختصاص الحكومات لا باختصاص الأفراد، لاحتياج المبدأ إلى سلطان يقرره وقوة تحميه وتنفذ محتواه دون تحيز، ومع تجرد عن الأهواء والغايات الشخصية، قال عثمان بن عفان رضي الله عنه: (ما يزع السلطان أكثر مما يزعهم القرآن) (٣).

٨٥ - والخلاصة: أن الإسلام يحرص على حماية حقوق الإنسان سواء في دار الإسلام أم في دارالحرب، ويحترم في الواقع مفاهيم الكرامة الإنسانية والحرية والعدالة والإخاء والتعاون والمساواة بين كل الناس، فتتعاون الدولة الإسلامية مع غيرها عند الدخول في علاقات تجارية ونحوها مع البلدان الأخرى، أو أثناء الإقامة بدار الحرب، أو وقت الاحتكاك بالشعوب أثناء الفتوح، أو عند اجتياز الحربيين لبلادنا وتمتعهم بالأمان فيها.

وهذا على عكس ما عليه الوضع الدولي الحاضر عند النظر إلى الواقع الملموس، فقد فقدت المبادئ المذكورة كثيراً من معانيها، وأصبحت معاييرها


(١) هذا معنى حديث رواه الفضل بن عباس (الكامل لابن الأثير: ١٥٤/ ٢).
(٢) الدكتور عبد الحميد متولي، المرجع السابق: ص ٨٢٣.
(٣) أخرجه رزين عن يحيى بن سعيد رحمه الله (جامع الأصول: ٤٦٩/ ٤) ويزع: يردع.

<<  <  ج: ص:  >  >>