للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن لم يكن الدين محيطاً بمال الواقف، صح، واعتبر الوقف في مرض الموت كالهبة فيه، ينفذ كالوصية من الثلث، فإن خرج من الثلث أو أجازه الوارث، نفذ في الكل، وإلا بطل في الزائد على الثلث. فإن أجاز البعض، جاز بقدره.

والحاصل أن السلامة من المرض ليست شرطاً لصحة الوقف، وأن الواقف إذا وقف في حال المرض، جاز عند أبي حنيفة، ويعتبر من الثلث، ويكون بمنزلة الوصية بعد وفاته، حتى لا يتهم المريض بالإضرار بورثته أو دائنيه. أما عند الصاحبين، فالوقف جائز في حال الصحة والمرض على سواء.

ويتفرع على هذا الخلاف: أنه على رأي الإمام: لا يلزم الوقف ولا تزول ملكية الشيء عن ملك الواقف إلا إذا أضافه إلى ما بعد الموت أو حكم به حاكم. وعند الصاحبين: يزول بدون الإضافة.

وعلى قول أبي حنيفة: لو وقف مريض الموت على بعض الورثة، ولم يجزه باقيهم، لا يبطل أصل الوقف، وإنما يبطل ما جعل من الغلة لبعض الورثة دون بعض، فيصرف على قدر مواريثهم عن الواقف، ما دام الموقوف عليه حياً، ثم يصرف بعد موته إلى من شرطه الواقف؛ لأنه وصية ترجع إلى الفقراء، وليس كوصية لوارث ليبطل أصله بالرد عليه.

ورأي الجمهور (١) القائلين بلزوم الوقف موافق لأبي حنيفة، يكون الوقف في مرض الموت بمنزلة الوصية في اعتباره من ثلث المال؛ لأنه تبرع، فاعتبر في مرض الموت من الثلث، كالعتق والهبة. فإذا خرج من الثلث نفذ من غير رضا


(١) المغني: ٥٧١/ ٥ - ٥٧٤، الشرح الصغير: ١٠٧/ ٤، ١١٠ ومابعدها، الشرح الكبير: ٧٨/ ٤، كشاف القناع: ٢٧٨/ ٤، مغني المحتاج: ٣٧٧/ ٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>