للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ودلائلُ هذا في الأحاديث الصحيحة المشهورة أشهرُ من أن تشهر، وأظهر أن تُذكر، ولا يتسع هذا الموضوع لعشر معشار نصف عشرها.

وأما حديث: "أقْضَاكُمْ عليٌّ" فليس فيه أنه أقضى من أبي بكر وعُمر رضي الله عنهما؛ فإنه يقتضي أنه أقضى من المخاطَبين، ولم يثبت كونهما كانا من المخاطبين ولا يلزم من كون واحد أقضى من جماعة؛ أن يكون أقضى من كل واحد، ولايلزم من كونه أقضى أن يقلده غيرُه؛ فإنه لا يجوز لمجتهد تقليدُ مجتهدٍ آخَر؛ بل إِذا ظهر له بالاجتهاد خلافُ قولِ غيره لزمه العمل بما ظهر، وأما قوله: هل يستفاد من ذلك كونه أفضلَ منهما. فجوابه أنه لا يستفاد لأوجهٍ:

١ - منها: أنه لم يثبت كونه أقضى منهما، لما ذكرناه.

٢ - ومنها: أنه لا يلزم من كون واحد أقضى من آخرَ، أن يكون أعلَم منه مطلقًا، وإِنما يقتضي رجحانه في معرفة القضاء فقط.

٣ - ومنها: لا يلزم من كونه أقضى وأعلَم، أن يكون أفضل، لأن التفضيل ليس بمنحصر في معرفة القضاء.

وأما قوله: هل كان أولى بالِإمامة منهما؟.

فاعلم أنه لم يكن أولى بالِإمامة منهما؛ بل كلٌ منهما في وقته، كان أولى من عليٍّ بالِإمامة، ويحرم اعتقادُ كونه أولى بها منهما تحريمًا غليظًا؛ لأن فيه قدحًا في الأمة بأسرها، ويتضمن الطعنَ في تقديم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أبا بكر للصلاة، وتكريرِه ذلك، وبالأمر بسد الخوخات غير خوخة أبي بكر، وغيرِ ذلك يقتضي رضاه - صلى الله عليه وسلم - بخلافة "أبي بكر" ورجحانهِ على غيره في ذلك وقد رُوّينا في سنن أبي داود -رحمه الله تعالى- بالإسناد الصحيح الذي لا يتطرق إِليه طعنٌ عن سفيان الثوري رحمه الله تعالى قال: من زعم أن عليًا رضي الله عنه كان أحق بالولاية منهما فقد خَطَّأ أبا بكرٍ، وعمرَ، والمهاجرين، والأنصار، قال: ولا أُراه

<<  <   >  >>