للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن قال إن المقصود بالآية العلماء الذي نالوا حظًّا كبيرًا من العلم دون سواهم فقد أخطأ في ذلك، فالدعوة إلى الله -عز وجل- والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -كما بيناه- فرض عين وفرض كفاية؛ فرض عين على كل مسلم فيما يعرف من الدين وحسب استطاعته، وفرض كفاية في الأمور التي يعجز عنها العامة، وقد سبق بيان ذلك بالتفصيل في بيان حكم الحسبة.

وقد يتشبث البعض توهمًا منه بقول الله تعالى: {يَ اأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُون} (المائدة: ١٠٥)، قد يتشبث البعض بهذه الآية ليتخلص من واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويبرر قعوده وتقاعسه متوهمًا أن هذه الآية الكريمة تعفيه من تكليف الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ما دام هو في نفسه مؤتمرًا ومنتهيًا، وإن هذا الوهم قد تسرب إلى البعض في زمن الصديق أبي بكر -رضي الله عنه- فلما بلغه ذلك عنهم خرج فخطب الناس وقال: "يا أيها الناس إنكم تقرءون هذه الآية الكريمة، وتضعونها في غير موضعها: {عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (المائدة: ١٠٥)، وإني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((إن الناس إذا رأوا الظالم، فلم يأخذوا على يديه أوشك أن يعمهم الله بعقاب من عنده)).

إذًا يجب على كل مسلم أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إصلاحًا لغيره بعد أن صلح هو في نفسه، فإن النجاة لا تتم إلا بهذا، فقد قال الله تعالى: {و َالْعَصْر * إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْر} (العصر: ١ - ٣)

فلا يكفي الإنسان أن يكون صالحًا في نفسه حتى يكون مصلحًا لغيره، ولا يكفي أن يكون مهتديًا في نفسه حتى يكون هاديًا لغيره، ولا يكفي أن يكون مؤتمرًا

<<  <   >  >>