للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عباس: أآمر السلطان بالمعروف وأنهاه عن المنكر؟ قال: إن خفت أن يقتلك فلا، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، ثم عدت فقال لي مثل ذلك، وقال: إن كنت لا بد فاعلًا ففي بينك وبينه".

وقال طاوس أتى رجل ابن عباس فقال: "ألا أقوم إلى هذا السلطان فآمره وأنهاه؟ فقال: لا تكن له فتنة، قال: أفرأيت إن أمرني بمعصية الله؟ قال: ذاك الذي تريد، فكن حينئذ رجلًا وقد ذكرنا من حديث المسعود الذي فيه: ((يخلف من بعدهم خلوف فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن)) إلى آخره، وهذا يدل على جهاد الأمراء باليد، وقد استنكر الإمام أحمد هذا الحديث في رواية أبي داود، وقال: هو خلاف الأحاديث التي أمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصبر على جور الأئمة.

وقد يُجاب عن ذلك أيضًا بأن التغيير باليد لا يستلزم القتال، وأما الخروج عليهم بالسيف فيخشى منه الفتن التي تؤدي إلى سفك دماء المسلمين, نعم إن خشي في الإقدام على الإنكار على الملوك أن يغزى أهله أو جيرانه لم ينبغ له التعارض لهم حينئذ؛ لما فيه من تعدي الأذى إلى غيره، كذا قال الفضيل بن عياض وغيره، ومع هذا متى خاف منهم على نفسه السيف أو السوط أو الحبس أو القيد أو النفي، أو أخذ المال، أو نحو ذلك من الأذى؛ سقط أمرهم ونهيهم، وقد نص الأئمة على ذلك منهم مالك، وأحمد، وإسحاق، وغيرهم قال أحمد: "لا يتعرض إلى سلطان فإن سيفه مسلول".

بعد هذا البيان قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله-: "وهنا يغلط فريقان من الناس، فريق يترك ما يجب من الأمر والنهي تأويلًا لقول الله تعالى: {عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُم} (المائدة: ١٠٥)، والفريق الثاني يريد أن يأمر وينهى إما بلسانه، وإما بيده مطلقًا من غير فقه وصبر وحلم ونظر في ما يصلح من ذلك، وما لا

<<  <   >  >>