للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ففي هذه الآية الكريمة وبخ الله -سبحانه وتعالى- أهل الكتاب الذين يأمرون الناس بالمعروف، ولا يفعلونه. قال الحافظ ابن كثير في تفسير الآية: "كيف يليق بكم يا معشر أهل الكتاب، وأنتم تأمرون الناس بالبر، وهو جماع الخير أن تنسوا أنفسكم، فلا تأتمرون بما تأمرون الناس به، وأنتم مع ذلك تتلون الكتاب، وتعلمون ما فيه على من قصر في أوامر الله، أفلا تعقلون ما أنتم صانعون بأنفسكم؛ فتتنبهوا من رقدتكم، وتتبصروا من عمايتكم".

وقال القاضي البيضاوي في تفسير الآية: "والآية ناعية على من يعظ غيره، ولا يتعظ بنفسه سوء صنيعه، وخبث نفسه، وأن فعله فعل الجاهل بالشرع، أو الأحمق الخالي عن العقل، فإن الجامع بينهما تأبى عنه شكيمته".

قال الله -تبارك وتعالى-: {مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} (الجمعة: ٥).

قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- في تفسير الآية: "فقاس من حمله -سبحانه- كتابه؛ ليؤمن به، ويتدبره، ويعمل به، ويدعو إليه، ثم خالف ذلك، ولم يحمله إلا على ظهر قلب، فقراءته بغير تدبر، ولا تفهم، ولا اتباع له، ولا تحكيم له، وعمل بموجبه، كحمار على ظهره زاملة أسفار، لا يدري ما فيها، وحظه منها حملها على ظهره ليس إلا، فحظه من كتاب الله كحظ هذا الحمار من الكتب التي على ظهره".

ثم قال -رحمه الله-: "فهذا المثل، وإن كان قد ضرب لليهود، فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حقه رعايته".

<<  <   >  >>