للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: محل نظر أهل الأصول والمعاني والبيان، والنحاة من حيث إن الأول يبحث عن قدم تلك الصفة، ويقيم عليها الدليل، والثاني: عن كون الأمر للوجوب والنهي للتحريم مثلا، والثالث: عن مطابقة الكلام لمقتضى الحال، والرابع عن إيراد المعنى الواحد بطرق مختلفة من التعبير، والخامس من حيث الإعراب والبناء، فمن أطلق على النقوش أو الألفاظ أنهما قديمان كما نقل عن الإمام أحمد، حتى قيل: إن الورق قديم فمراده أن النقوش تدل على الألفاظ وهي على المعاني، وهي على المعنى الخارجي القائم بذاته تعالى، ومن أطلق القدم على المعاني فمراده من حيث دلالتها على المعنى القديم المتصف به تعالى، وإنما أفرد ذلك بالذكر عن مسائل الكلام نظرا إلى أن القرآن الذي بين أظهرنا له الوجودات الأربع.

وإذا تأملت ذلك رأيت أكثر موارد الخلاف ترد عليها وقد ذكروا أن أكمل الموجودات ما كان له الوجودات الأربعة المشتمل عليها القرآن، وهي الوجود في الأعيان وهو حقيقي باتفاق، والوجود في الأذهان وهو حقيقي عند الحكماء مجازي عندنا، والوجود في العبارة والوجود في الكتابة، وهما مجازيان باتفاق.

ثم لا ينافى ذلك ما مر عن جمع الجوامع؛ لأن كلامه من حيث الإطلاق، ولذا قابله بالمجاز، فمراده أنه يطلق إطلاقا حقيقيا؛ لأن ذلك لفظ استعمل فيما وضع له، وهذا من حيث كنه الشيء وحقيقته أي ماهيته، بمعنى أن كنه القرآن موجود في الأعيان حقيقة وفي الأذهان كذلك على الخلاف، وأما وجوده في العبارة والكتابة فمجازي.

ثم إن سئلت عن القرآن من حيث قدمه وحدوثه فينبغي لك أن تستفسر السائل، فإن قال لك: مرادي القائم بذاته تعالى الدال عليه ما بين أظهرنا، فقل له: قديم بقدم الذات؛ لأنه من جملة صفاتها الواجبة لها، وإن قال لك: مرادي ما بين الدفتين من النقوش، فقل له: ذلك حادث بحدوث النقوش، وكذلك الألفاظ، وإن قال لك: مرادي من حيث المدلول، فقل له: ما دل على ذاته تعالى أو صفة من صفاته، أو حكايته له تعالى فهو قديم، وما دل على الحوادث أو صفاتها مثل ذوات المخلوقات أو صفاتها، كجهلنا وعلمنا فهو حادث، وكذلك حكاية الحوادث وإنشاءاتها والله تعالى أعلم.

[مطلب في قوله تعالى: {ادخلوا الأرض المقدسة} إلخ.]

(سئل) في قوله تعالى: {ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم} ما يكون تفسير هذه الآية؟ وما معنى الأرض المقدسة؟ وأين يكون حدود المقدس من الأرض والبلاد؟ وهل تكون الصلاة بخمسين ألف صلاة في المسجد الأقصى أو في بيت المقدس؟

(أجاب) قال البيضاوي: الأرض المقدسة بيت المقدس سميت بذلك؛ لأنها قرار الأنبياء، ومسكن المؤمنين. والقدس الطهر والمقدس المطهر؛ فإن الأرض قدست باختيار الله تعالى إياها لهم أو بأنفاس الأنبياء وعباداتهم

<<  <  ج: ص:  >  >>