للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

السلام والله أعلم.

[مطلب في قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا} إلخ]

(سئل) ما معنى قوله تعالى: {ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا}؟

(أجاب) يعني لا تستبدلوا بآياتي التي في كتبكم عوضا يسيرا من الدنيا؛ لأن الدنيا بالنسبة إلى الآخرة كالشيء الحقير الذي لا قيمة له.

وقيل في ذلك: هو بيع الباقي بالفاني والله أعلم.

[مطلب في قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر} إلخ.]

(سئل) ما معنى قوله تعالى: {أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون}؟

(أجاب) نزلت هذه الآية في علماء اليهود، وذلك أن الرجل منهم كان يقول لقرينه من المسلمين إذا سأله عن أمر محمد صلى الله عليه وسلم: اثبت على دينه فإن أمره حق، وقوله صدق، وقيل: إنهم كانوا يأمرون باتباعه قبل ظهوره، فلما ظهر تركوه وأعرضوا عنه، وقيل: كانوا يأمرون الناس بالطاعة والصلاة والزكاة وأنواع البر ولا يفعلونه، فوبخهم الله تعالى، وفي معنى ذلك الحث على الأفعال الحسنة والإعراض عن الأفعال القبيحة، ومعنى الآية أنه يأمر الإنسان بالمعروف ولا يأتيه وينهى عن المنكر ويفعله، ولأن الإنسان إذا وعظ غيره ولم يتعظ فكأنه أتى بفعل متناقض لا يقبله.

روي عن أسامة بن زيد قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: [يؤتى بالرجل يوم القيامة فتندلق، أي تخرج، أقتابه أي: أمعاء بطنه، فيدور بها كما يدور الحمار في الرحا، فيجتمع إليه أهل النار، فيقولون: يا فلان مالك؟ ألم تكن تأمر الناس بالمعروف وتنهى عن المنكر؟ فيقول: بلى كنت آمر الناس بالمعروف ولا آتيه، وأنهى عن المنكر وآتيه].

روي عن أنس أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: [رأيت ليلة أسري بي رجالا تقرض شفاههم بمقاريض من نار، قلت: من هؤلاء يا جبريل؟ قيل: هؤلاء من خطباء أمتك يأمرون الناس بالبر وينسون أنفسهم وهم يتلون الكتاب أفلا يعقلون]. قيل: مثل هذا الذي يعلم الناس الخير ولا يعمل به كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه، ومن وعظ بقوله ضاع كلامه، ومن وعظ بفعله نفذت سهامه والله أعلم.

[مطلب: ما معنى قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم} إلخ]

(سئل) ما معنى قوله تعالى: {وإن تبدوا ما في أنفسكم أو تخفوه يحاسبكم به الله}؟

(أجاب) يعني أنكم إن أظهرتم ما في أنفسكم من السوء والعزم عليه يجازيكم به الله تعالى يوم القيامة، ولما نزلت هذه الآية اشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا: يا رسول الله، كلفنا من العمل ما لا نطيق، وقد أنزلت هذه الآية ولا نطيقها، فقال لهم رسول الله صلى عليه وسلم: أتريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب: سمعنا وعصينا، بل قولوا: سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير، فلما فعلوا ذلك نسخه الله عز وجل بقوله: {لا يكلف الله نفسا إلا وسعها} الآيات. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله يتجاوز لأمتي ما حدثت به أنفسها ما لم يعملوا به ويتكلموا، وفي رواية: ما وسوست به صدورها فلا يؤاخذ إنسان بما وسوست به نفسه، ولا

<<  <  ج: ص:  >  >>