للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في طائفة من الصوفية فحملوا أحوالهم في ذكر الله تعالى على اللهو واللعب، وطعنوا في شأنهم مما يعلمه الله تعالى لا يلزمنا نحن أن نتبعهم في سوء الظن في كل أهل الذكر في جميع الأزمان، ونرتكب هذه المعصية كما ارتكبوها ونعتقد أنها طاعة، وقد قال تعالى {يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن} الآية. فإن سوء الظن بالمسلم حرام قطعي، والتأويل واجب في أفعاله وأقواله كما قاله العلماء، والسماع عند طائفة الصوفية غير السماع عند الفقهاء من علماء الأحكام الشرعية فإن طائفة الصوفية قلوبهم فارغة من سوء الظن في أحد من البرية، والفقهاء قلوبهم مملوءة من سوء الظنون واتهام الناس بما يكون منهم وما لا يكون، ودأبهم التنقيب على أهل الإسلام والتفتيش عليهم في كل حلال وحرام، ويتعللون بأن علومهم لحفظ الأمة من الضلال فيتسلطوا بها على الناس خائفين من ذنوب الناس لا من ذنوب أنفسهم القبيحة الفعال، والله تعالى أعلم بحقائق الأحوال. ولنا على هذه الأسئلة رسالة اختصرنا هذا الجواب منها، وقد عمل عليها أيضا رسالة نفيسة العلامة الشيخ عبد الغني النابلسي المقدسي، وقد أجاد وأفاد وأتى فيها بالقصد والمراد، جزاه الله تعالى خيرا،، والله تعالى أعلم.

[مطلب فيما اعتاده السادة البسطامية إلخ]

(سئل) فيما اعتاده السادة البسطامية وغيرهم من السادة الصوفية كالقادرية والسعدية والصمادية والرفاعية ونحوهم من حلق الذكر والجهر به في المساجد، وقد ورثوا ذلك عن آبائهم وأجدادهم وأشياخهم، وينشدون القصائد الصوفية والأشغال بالألحان المطربة والأنغام الموسيقية، ويحصل لهم وجد عظيم وحال يقعد ويقيم، فيرفعون أصواتهم بالذكر ويرقصون ويقولون: يا أبا يزيد يا بسطامي يا عبد القادر يا كيلاني يا أحمد يا رفاعي ويقولون: شيء لله يا عبد القادر ونحو ذلك، فهل ذلك حلال؟ وهل يجوز الاعتراض عليهم في هذه الأحوال أم كيف الحال؟

(أجاب) قد رفع شبه هذا السؤال للعلامة الشيخ خير الدين الحنفي الرملي رحمه الله تعالى، وسطر في فتاواه فأجاب بما ملخصه: اعلم أولا أن من القواعد المشهورة التي في كتب الأئمة مقررة مذكورة أن الأمور بمقاصدها، والشيء الواحد يتصف بالحل والحرمة باعتبار ما قصد له، وهي مأخوذة من الحديث الذي رواه الشيخان: "إنما الأعمال بالنيات". ومدار غالب أحكام الإسلام عليه إلى أن قال: وبعد فإن لله تعالى عبادا إذا قاموا قاموا بالله، وإذا نطقوا نطقوا بالله وحقيقة ما عليه الصوفية لا ينكرها إلا كل نفس جاهلة غية، فأما حلق الذكر والجهر به في المساجد وإنشاد القصائد فقد جاء في الحديث ما اقتضى طلب الجهر نحو: "وإن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منه". رواه البخاري ومسلم

<<  <  ج: ص:  >  >>