للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إيمان المسلمين، يزيد بزيادة الطاعات وينقص بارتكاب المعاصي. وقيل: إن حقيقة الإيمان لا يزيد ولا ينقص لأنه تصديق قلبي، وهو لا يتصور فيه زيادة ولا نقصان؛ لأن من حصل له حقيقة التصديق سواء عمل الطاعات أم ارتكب المعاصي فتصديقه لا يغير أصلا، والآيات الدالة على زيادة الإيمان محمولة على زيادته في عصره - صلى الله عليه وسلم - بزيادة ما يؤمنون به مما يتجدد من الفرائض. وهذا ممنوع عند السادة الشافعية، كيف وقد قال الله تعالى عن السيد الجليل إبراهيم الخليل {قال بلى ولكن ليطمئن قلبي} وقال تعالى {ثم لترونها عين اليقين} فدل على أن الإيمان يزيد وينقص، كما عليه الأشاعرة، والله تعالى أعلم.

[مطلب لم خلق الله الخلق الخ]

(سئل) لم خلق الله تعالى الخلق؟.

(أجاب) في ذلك خلاف، قيل: خلقهم لأجل محمد - صلى الله عليه وسلم - وقيل: خلقهم ليعبدوه؛ لقوله تعالى {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون} وقيل: خلقهم للاختلاف الواقع بينهم؛ لقوله تعالى {ولا يزالون مختلفين إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم} وقيل: خلقهم ليعرف، فلو لم يخلق لم يعرف، ويؤيد هذا ما ورد في بعض الكتب المنزلة يقول الله تعالى: كنت كنزا لا أعرف فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق، تحببت إليهم بالنعم حتى عرفوني. وقال بعضهم: خلق الخلق ليظهر معرفته، ويرزقهم ليظهر إحسانه، ويميتهم ليظهر سلطانه، ويحييهم ليظهر قوته، ويعذبهم ليظهر نقمته، ويدخلهم الجنة ليظهر رحمته. وقال بعضهم: خلق الخلق من عظم غيبه عنهم، قال تعالى {أفحسبتم أنما خلقناكم عبثا} ولذلك قيل: إن بالمشرق ملكا وبالمغرب آخر ينادي أحدهما: ألا ليت هذا الخلق لم يخلقوا، فيجيبه الآخر يا ليتهم إذا خلقوا عرفوا لما خلقوا. والله أعلم.

[مطلب هل للعبد قدرة واختيار في أفعاله وحركاته]

(سئل) من المعلوم المحقق عند أهل السنة والجماعة أن الله تعالى منفرد بخلق عباده وتدبير أمورهم، فهل يكون للعبد قدرة واختيار في أفعاله وحركاته وسكناته؟.

(أجاب) الذي يجب اعتقاده أن الله سبحانه وتعالى منفرد بالخلق واختراع الأعيان والآثار والجواهر والأعراض، لا يخرج حادث عن أن يكون مخلوقا له تعالى، فجميع أحوال العباد وأفعالهم الاختيارية واقعة بقدرة الله تعالى، وليس لقدرتهم تأثير فيها، بل الله تعالى أجرى عادته بأن يوجد في العبد قدرة واختيارا، وهو سبحانه وتعالى منفرد بالتدبير للأمور دون مشارك ولا معين، فلا يحدث حادث في العالم العلوي ولا في العالم السفلي إلا بتدبيره وإرادته وقضائه وحكمته، وهو تعالى عالم بعواقب الأمور كلها من غير نظر ولا فكر، يعلم ما يكون قبل أن يكون وما لا يكون أن لو كان كيف كان، فالخلق جميعا في قبضته على إرادته. قال أبو عبد الله بن إسحاق بن منذر في كتاب الصفات: من الآيات الدالة على وحدانية الله تعالى تقلب أحوال العبد من حالة

<<  <  ج: ص:  >  >>