للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لا ليل فيها، وإنما يعرفون وقته بإرخاء الستور، ودليل أنهم لا ينامون قوله تعالى {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} وقال القاضي البيضاوي: النوم حالة تعرض للحيوان من استرخاء أعضاء الدماغ من رطوبات الأبخرة المتصاعدة، بحيث يغيب الحواس الظاهرة عن الإحساس رأسا. انتهى. وقال القرطبي: وبالجملة فالنوم فتور يعتري الإنسان ولا يفقد معه عقله. انتهى، والله أعلم.

[مطلب الجن فوق الأرض أو تحتها وهل يأكلون كأكلنا الخ]

(سئل) عن الجن هل هم فوق الأرض أو تحتها؟ وهل يأكلون كأكلنا ويتناسلون ويموتون كالإنس؟ وهل يمكن رؤيتهم على أصل خلقتهم؟ وما حكمة إخفائهم؟.

(أجاب) أفتى العلامة الشمس الرملي رحمه الله تعالى بأن مسكن الجن تحت الأرض، ولهم آجال، ويموتون ويتناسلون، ولهم بعض أطعمة مختصة بهم، وإخفاؤهم عنا رحمة من الله تعالى، ومن ادعى رؤيتهم على أصل خلقتهم كفر لأنه يخالف نص القرآن العظيم بقوله تعالى {إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم} والله تعالى أعلم.

[مطلب في عبادته صلى الله عليه وسلم قبل النبوة]

(سئل) عن عبادته - صلى الله عليه وسلم - قبل النبوة بغار حرا وغيره، هل كانت بوحي أو بشريعة أحد من الأنبياء أم بغير ذلك؟.

(أجاب) ذكر العلامة الشمس الرملي رحمه الله تعالى في فتاواه أنه اختلف العلماء في أنه - صلى الله عليه وسلم - هل كان مكلفا قبل النبوة بشرع أو لا؟ فمنهم من نفى ذلك ومنهم من أثبته، وعزي إلى الجمهور، وعلى الإثبات فقد اختلف في تعيين الشرع، فقيل: بشريعة نوح، وقيل: إبراهيم، وهو الصحيح، وقيل: موسى، وقيل: ما ثبت أنه شرع، وقيل بالتوقيف تأصيلا وتفريعا، وعلى الإثبات أيضا اختلف في كيفية التعبد، فقيل: كانت ما يلقى إليه من نور المعرفة، والذي اختاره ابن الحاجب والبيضاوي أنه كلف التعبد بشرع معلوم قبل النبوة، أما بعد النبوة فلا، والمختار المنع. انتهى.

(سئل) ما معنى قوله تعالى {الرحمن على العرش استوى}؟.

(أجاب) ليس المراد بالاستواء معناه الحقيقي الذي هو الاستقرار والجلوس؛ لأن هذا من خواص الأجسام، والله تعالى منزه عن ذلك، بل اختلف أهل السنة في معناه على قولين؛ أحدهما: التأويل، ونقل عن الأكثرين، فعلى هذا المراد بالاستواء الاستيلاء، ويعود هذا المعنى إلى القدرة؛ أي استولى على العرش الذي هو أعظم المخلوقات. وبالاستيلاء عليه مستوليا على الوجود بأسره. تقول: استوى الأمر لزيد: إذا كمل له وصار مستوليا عليه. والقول الثاني: إنما نفوض أمر معناه إلى الله تعالى مع اعتقاد أنه تعالى منزه عن الجهة متعال عن الجسمية، وهذا الطريق أسلم لكن الأول أحكم، ويروى كل من هذين القولين عن الشيخ أبي الحسن الأشعري، ويجري هذا الخلاف في جميع ما ورد من الآيات والأحاديث التي يمتنع إجراؤها على ظاهرها، كقوله تعالى:

<<  <  ج: ص:  >  >>