للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد:

فإنه لا يخفى على الباحثين ما كان من نشاط ملموس للمستشرقين في العمل الدؤوب على تحقيق تراثنا، وبخاصة بعد الحرب العالمية الثانية، وبالأخص ما بين السنوات: (١٩٥٤ م) و (١٩٦٠ م) حيث إنَّ الأمم المتحدة أعلنت سَنَةَ (١٩٦٠ م) أنها سنة نهاية الاستعمار. وهكذا اختفت وزارات الاستعمار التي كانت الملجأ الأول الذي يعيش في كنفه الاستشراق ويرعى حركته (١).

ولكن قبل هذا الإعلان كان المستشرقون قد ألقَوْا بكميات لا بأس بها من كتب التراث المحقَّقة، أو من مؤلفاتهم، مُتَّبِعِينَ فيها مَنْهَجًا عِلْمِيًّا «حرصوا كل الحرص على أن يُضْفُوا عليه هيبة العلم وقداسة محرابه. وأن يُخفُوا تحت شارته وردائه كل أغراضهم وأهوائهم» (٢) والتي راجت على فئة من المثقفين «فَسَبَّحُوا بحمدهم، وأشادوا بدقتهم وتجردهم للبحث العلمي، وقدرتهم على التمحيص والتدقيق» (٣) غير متنبهين لما حفلت به هذه الكتابات من «خلل وزلل نتيجةً للعجز عن إدراك سِرِّ العربية وامتلاك ذوقها، والعجز عن استكناه سِرِّ التراث، واستلهام روحه الرباني الإلهي» (٤)، عدا عن «الأحكام المسبقة والمواقف غير المحايدة، بل والعدائية، التي تدعو إلى تعمد التشويه والتحريف» (٥).

وقلّة من الباحثين هم الذين تَنَبَّهُوا وقتها إلى هذا الخطر الداهم، منهم علاَّمتنا الشيخ الدكتور صُبْحِي الصَّالِحْ - رَحِمَهُ اللهُ - تعالى، فإنه تهيَّأ له الاطلاع المباشر على أعمال المستشرقين عن قرب، ودراسة ما عندهم على أيديهم، وفي مقدمة هؤلاء (لويس ماسينيون) صاحب كتاب " الحَلاَّجْ " الذي صَوَّرَهُ فيه على أنه نسخةٌ مؤسلمة للمسيح - عَلَيْهِ السَّلاَمُ -، عدا عن ارتباط هذا الكتاب بتاريخ الصراع الديني في الجزائر (٦).


(١) يراجع: " المستشرقون والتراث " لأستاذنا الدكتور عبد العظيم ديب. ص: ١١.
(٢) المرجع السابق: ص: ٢٧.
(٣) المرجع السابق نفسه.
(٤) المرجع السابق: ص: ٨.
(٥) المرجع السابق نفسه.
(٦) المرجع السابق: ص: ١٨.

<<  <   >  >>