للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحَجَّاِج يقول: «التَّدْلِيسُ فِي الحَدِيثِ أَشَدُّ مِنَ الزِّنَا ; وَلأَنْ أَسْقُطَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أُدَلِّسَ» (١). وفي رواية عنه أنه كان يقول: «لأَنْ أَقَعََ مِنْ فَوْقِ هَذَا القَصْرِ - لِدَارٍ حِيَالَهُ (٢) - عَلَى رَأْسِي أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَقُولَ لَكُمْ: قَالَ فُلاَنٌ، لِرَجُلٍ تَرَوْنَهُ، أَنِّي قَدْ سَمِعْتُ ذَاكَ مِنْهُ وَلَمْ أَسْمَعْهُ» (٣).

وَمِنْهُمْ مِنْ كَانَ يَقْتَصِدُ فِى رِوايَةَ الحَديثِ عَلَى طُلاَّبِهِ لِيَفْهَمُوا مَا يُحَدِّثُهُمْ بِهِ وَيَعْقِلُوهُ وَيَتَدَبَّرُوهُ، وَمِنْ هَذَا مَا رَوَاهُ خَالِدٌ الْحَذَّاء، قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي أَبَا قِلاَبَةَ، فَإِذَا حَدَّثَنَا بِثَلاَثَةِ أَحَادِيثَ قَالَ: قَدْ أَكْثَرْتُ» (٤)، وَيُؤَكِّدُ هَذَا مَا قَالَهُ اِبْنُ عَبْدِ البَرِّ: «إِنَّمَا عَابُوا الإِكْثَارَ خَوْفًا مِنْ أَنْ يَرْتَفِعَ التَدَبُّرُ وَالتَّفَهُّمُ، أَلاَ تَرَى إِلَى مَا حَكَاهُ بِشْرُ بْنُ الْوَلِيدِ، عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: سَأَلَنِي الأَعْمَشُ عَنْ مَسْأَلَةٍ، وَأَنَا وَهُوَ لاَ غَيْرَ، فَأَجَبْتُهُ، فَقَالَ لِي: مِنْ أَيْنَ قُلْتَ هَذَا يَا يَعْقُوبُ؟ فَقُلْتُ: بِالحَدِيثِ الَّذِي حَدَّثْتَنِي أَنْتَ، ثُمَّ حَدَّثْتُهُ، فَقَالَ لِي: «يَا يَعْقُوبُ إِنِّي لأَحْفَظُ هَذَا الحَدِيثَ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَجْتَمِعَ أَبَوَاكَ (٥) مَا عَرَفْتُ تَأْوِيلَهُ إِلَى الآنَ» (٦).

وَرُوِيَ نَحْوُ هَذَا: أَنَّهُ جَرَى بَيْنَ الأَعْمَشِ وَأَبِي يُوسُفَ وَأَبِي حَنِيفَةَ، فَكَانَ مِنْ قَوْلِ الأَعْمَشِ: «أَنْتُمُ الأَطِبَّاءُ وَنَحْنُ الصَّيَادِلَةُ» (٧).


(١) مقدمة " التمهيد ": ص ٥: ب.
(٢) هكذا النص والمعنى: لدار قريبة منه.
(٣) مقدمة " الجرح والتعديل ": ص ١٧٤، ويروى نحوه عن مطرف بن طريف، انظر نفس المصدر: ص ٤٢.
(٤) انظر " المحدث الفاصل ": ص ١٤٥، ١٤٦.
(٥) أي من قبل أنْ يُخْلَقَ، كناية عن أنه حفظه منذ زمن بعيد.
(٦) هكذا النص والأصوب أَنْ تَكُونَ «إلاَّ».
(٧) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ١٣٠، جـ ٢.