للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ويترجمونها إلى غير العربية، فإباحة ترجمة الحديث إلى لغة ثانية دليل على إباحة نقله بنفس اللغة على معناه، بلفظ عربي هو أقرب إلى لفظ الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من ألفاظ اللغة الأجنبية (١)، بل هذا أولى بأن يكون مُبَاحًا.

وللذين كرهوا الرواية على المعنى أدلة منها حديث «نَضَّرَ اللهُ امْرُءًا سَمِعَ مِنَّا حَدِيثًا فَأَدَّاهُ كَمَا سَمِعَهُ»، وَمَا رَوَاهُ البَرَاءُ بْنِ عَازِبٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «يَا بَرَاءُ كَيْفَ تَقُولُ إِذَا أَخَذْتَ مَضْجَعَكَ؟» قَالَ: قُلْتُ: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «إِذَا أَوَيْتَ إِلَى فِرَاشِكَ طَاهِرًا، فَتَوَسَّدْ يَمِينَكَ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أَسْلَمْتُ وَجْهِي إِلَيْكَ، وَفَوَّضْتُ أَمْرِي إِلَيْكَ، وَأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إِلَيْكَ، رَغْبَةً وَرَهْبَةً إِلَيْكَ، لاَ مَلْجَأَ وَلاَ مَنْجَى مِنْكَ إِلاَّ إِلَيْكَ، آمَنْتُ بِكِتَابِكَ الَّذِي أَنْزَلْتَ، وَبِنَبِيِّكَ الَّذِي أَرْسَلْتَ»، فَقُلْتُ كَمَا عَلَّمَنِي غَيْرَ أَنِّي قُلْتُ: وَرَسُولِكَ، فَقَالَ بِيَدِهِ فِي صَدْرِي: «وَ (بِنَبِيِّكَ)، فَمَنْ قَالَهَا مِنْ لَيْلَتِهِ ثُمَّ مَاتَ، مَاتَ عَلَى الفِطْرَةِ» (٢).

وقد أطال بعض العلماء القول في أدلة كل من المجيزين للرواية على المعنى والمانعين لها (٣). وأجمع العلماء كلهم على أنه لا يجوز للجاهل بمعنى ما ينقل أن يروي الحديث على المعنى. ومن أجاز هذه الرواية إنما أجازها للعالم بشروط، قَالَ المَاوَرْدِيُّ: «إِنْ نَسِيَ اللَّفْظَ جَازَ، لأَنَّهُ تَحَمَّلَ اللَّفْظَ وَالمَعْنَى، وَعَجَزَ عَنْ أَدَاءِ


(١) انظر " الكفاية ": ص ٢٠٣.
(٢) " الكفاية ": ص ١٧٥. و" المحدث الفاصل ": ص ١٢٥: آ.
(٣) تكلم الخطيب البغدادي في الرواية على المعنى واللفظ وذكر الأدلة في ذلك، راجع " الكفاية ": ص ١٩٨ - ٢٠٣ وتكلم العراقي حول الرواية بالمعنى، انظر " فتح المغيث ": ص ٤٨ جـ ٣ وما بعدها، وكذلك السيوطي في " تدريب الراوي ": انظر ص ٣١١ وما بعدها. وكذلك الحافظ ابن كثير، انظر " الباعث الحثيث شرح اختصار علوم الحديث ": ص ١٥٧ وما بعدها، وَفَصَّلَ الشيخ طاهر الجزائري أقوال العلماء وأدلتهم في " توجيه النظر ": ص ٢٩٨ - ٣١٤ وهو خير من استوفى هذا البحث من المتأخرين.