للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقد قَيَّضَ الله لهذه الأُمَّةِ أساتذة أوتوا العلم والأدب وأصول التربية ترعرعوا بين يدي رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ويدي أصحابه الكرام، واجتهد القائمون على التعليم منهم في ذلك العصر في تعليم تلاميذهم وجلسائهم، واعتنوا عناية عظيمة بالنشء الجديد، فنرى إسماعيل بن رجاء - من أقران الأعمش - «يَجْمَعُ الصِّبْيَانَ وَيُحَدِّثَهُمْ» (١) ومر رجل بالأعمش - سليمان بن مهران - وهو يحدث فقال له: تحدث هؤلاء الصبيان؟ فقال الأعمش: هؤلاء الصبيان يحفظون عليك دينك (٢). وكان مُطَرَّفٌ بن عبد الله يقول: «لأَنْتُمْ أَحَبُّ إِلَيَّ مُجَالَسَةً مِنْ أَهْلِي» (٣). وَكَانَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيَّ، يَقُولُ: «لَوْ لَمْ يَأْتُونِي - (يعني طلاب الحديث) - لأَتَيْتُهُمْ فِي بُيُوتِهِمْ» (٤). وكانوا يعلمونهم الحديث والأدب فيه، واحترامه وإجلاله (٥)، وكانت لحلقات العلم مكانة جليلة، وكان طلاب الحديث يوقرون أساتذتهم، ويفخرون بخدمتهم، والأخذ عنهم، وكان سلوكهم مع أساتذتهم في غاية الأدب والاحترام، سواء أكان هذا في التلقي عنهم أم في مناقشتهم، ويؤثر عن كثير من الصحابة والتابعين نصائح لطلاب العلم في هذا الصدد (٦).

وأما حلقات العلم وشيوخها وطريقة تعليمهم فإنها تحتاج إلى بحث كبير قائم بذاته، وإن لدينا من الأخبار ما يملأ أكثر من مجلد في هذا. ولكن المقام يضيق بإيرادها، ويكفينا أن نذكر شَيْئًا مُوجَزًا عن الصحابة والتابعين يتناول طريقة تعليمهم.


(١) انظركتاب "العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٠.
(٢) " شرف أصحاب الحديث ": ص ٨٩: آ، وانظر " المحدث الفاصل " نسخة دمشق: ص ١٥ جـ ١.
(٣) " شرف أصحاب الحديث ": ص ١٠٢: ب.
(٤) " شرف أصحاب الحديث ": ص ١٠٣: ب، واشتهر عن عروة بن الزبير أنه كان يتألف الناس على حديثه، انظر " كتاب العلم " لابن حرب: ص ١٨٧.
(٥) انظر " طبقات ابن سعد ": ص ٣٤٥ جـ ٥.
(٦) انظر " العقد الفريد ": ص ٧٨ جـ ٢.