للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على استساغة ما سولت لهم أنفسهم لِيُرَغِّبُوا الناس في صالح الأعمال، وكأن هذه الثروة من الأحاديث النبوية التي لا تدرك البيان وصفها - لم تشف صدروهم، ولم ترو ظمأهم، فراحوا يضعون الأكاذيب على رسول الله، وإذا ما ذُكِّرُوا بقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ» قالوا: نحن ما كذبنا عليه، إنما كذبنا له (١). ومن الغريب والمؤسف أن صلاحهم خدع العامة، فكانوا يصدقونهم ويثقون بهم، فكان خطرهم شديدًا على الدين (٢)، بل هم أعظم ضَرَرًا من غيرهم، لما عرفوا به من الصلاح والورع والزهد، الذي لا يتصور معه العامي إقدام مثل هؤلاء الصالحين على الكذب، وفي هذا يروي محمد بن يحيى بن سعيد القطان عن أبيه قوله: «لَمْ نَرَ الصَّالِحِينَ فِي شَيْءٍ أَكْذَبَ مِنْهُمْ فِي الحَدِيثِ» (٣). وقال أبو عاصم النبيل: «مَا رَأَيْتُ الصَّالِحَ يَكْذِبُ فِي شَيْءٍ أَكْثَرَ مِنَ الحَدِيثِ» (٤)، وفي رواية عن يحيى بن سعيد القطان «مَا رَأَيْتُ الكَذِبَ فِي أَحَدٍ أَكْثَرَ مِنْهُ فِيمَنْ يُنْسَبُ إِلَى الخَيْرِ وَالزُّهْدِ» (٥).

ومما وضعه الصالحون أحاديث فضائل السور، وفي هذا مَا يَرْوِيهِ الْحَاكِمُ بِسَنَدِهِ


= حقًا ليس عن رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فاحتمله الناس في الدعاء ونحوه، انظر أَيْضًا " قبول الأخبار ": ص ١٥ وعبد الله بن المسور هذا هو الذي يروي عنه خالد بن أبي كريمة. انظر ترجمته في " ميزان الاعتدال ": ص ٧٨ جـ ٢ ترجمه (٥٦٣) وذكر الإمام مسلم هذا في " صحيحه ": انظر " مسلم بشرح النووي ": ص ١٠٧ جـ ١.

(١) انظر " اختصار علوم الحديث ": ص ٨٦.
(٢) انظر " تدريب الراوي ": ص ١٨٤.
(٣) " صحيح مسلم بشرح النووي ": ص ٩٤ جـ ١، ونحوه في مقدمة " التمهيد ": ص ١٤: آ، وفي " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٥٩: آ.
(٤) " المحدث الفاصل ": ص ٨٣: آ.
(٥) " اللآلئ المصنوعة ": ص ٢٤٨ جـ ٢.