للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مِنْ سَمُرَةَ قَالَ أَبُو عُمَرَ (ابن عبد البر): فَهَكَذَا مَرَاسِيلُ الثِّقَاتِ، إِذَا سُئِلُوا أَحَالُوا عَلَى الثِّقَاتِ ... قَالَ سُلَيْمَانُ الأَعْمَشِ: «قُلْتُ لإِبْرَاهِيمَ: إِذَا حَدَّثْتَنِي حَدِيثًا فَأَسْنِدْهُ، فَقَالَ: إِذَا قُلْتُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ يَعْنِي ابْنَ مَسْعُودٍ فَاعْلَمْ أَنَّهُ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ (عنه)، وَإِذَا سَمَّيْتُ لَكَ أَحَدًا فَهُوَ الَّذِي سَمَّيْتُ» (١).

ومن هنا يتبين لنا أن أكثر من أرسلوا الحديث كانوا على جانب كبير من العلم، وكانوا يعرفون السند، وإنما لم يذكروه اختصارًا، ويظهر لنا هذا فيما رَوَى حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ قَالَ: «كُنَّا نَأْتِي قَتَادَةَ، فَيَقُولُ: بَلَغَنَا عَنِ النَّبِيِّ [عَلَيْهِ السَّلاَمُ]، وَبَلَغَنَا عَنْ عُمَرَ، وَبَلَغَنَا عَنْ عَلِيٍّ، وَلاَ يَكَاد يُسْنِدُ، فَلَمَّا قَدِمَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ البَصْرَةَ جَعَلَ يَقُولُ: حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ وَفُلاَنٌ وَفُلاَنٌ، فَبَلَغَ قَتَادَةَ ذَلِكَ، فَجَعَلَ يَقُولُ: سَأَلْتُ مُطَرِّفًا، وَسَأَلْتُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ، وَحَدَّثَنَا أَنَسُ بْنُ مَالِكٍ فَأَخْبَرَ بِالإِسْنَاد» (٢) ولم يكونوا يسألونه عن السند لثقة القوم به، ويدل على هذا ما رواه ابن سعد عَنْ مَعْمَرٍ: «وَكُنَّا نُجَالِسُ قَتَادَةَ وَنَحْنُ أَحْدَاثٌ، فَنَسْأَلُ عَنِ السَّنَدِ، فَيَقُولُ مَشْيَخَةٌ حَوْلَهُ: مَهْ، إِنَّ أَبَا الخَطَّابِ سَنَدٌ، فَيَكْسِرُونَا عَنْ ذَلِكَ» (٣).

وَيَقُولُ شُعْبَةُ: «كُنْتُ أُجَالِسُ قَتَادَةَ، فَيَذْكُرُ الشَّيْءَ فَأَقُولُ: كَيْفَ إِسْنَادُهُ؟ فَيَقُولُ المَشْيَخَةُ الذِينَ حَوْلَهُ: " إِنَّ قَتَادَةَ سَنَدٌ "، فَأَسْكُتُ، فَكُنْتُ أُكْثِرُ مُجَالَسَتَهُ، فَرُبَّمَا ذَكَرَ الشَّيْءَ فَأَذْكُرَهُ، فَعَرَفَ مَكَانِي، ثُمَّ كَانَ بَعْدُ يُسْنِدُ لِي» (٤).

وهكذا نرى أن الإسناد المتصل كان قد أخذ نصيبه من العناية والاهتمام


(١) مقدمة " التمهيد " لابن عبد البر: ص ١٠، وإبراهيم هو ابن يزيد النخعي.
(٢) " طبقات ابن سعد ": ص ٧ قسم ٢ جـ ٢.
(٣) المرجع السابق: ص ٧ قسم ٢ جـ ٢.
(٤) " تقدمة الجرح والتعديل ": ص ١٦٦.