للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

٢ - وُجُودُ قَرِينَةٍ تَقُومُ مَقَامَ الاِعْتِرَافِ بِالوَضْعِ:

كأن يروي عن شيخ لم يلقه، أو يروي عن شيخ في بلد لم يرحل إليه، أو يروي عن شيخ ولد بعد وفاته، أو توفي هذا الشيخ والراوي صغير لا يدرك، قِيلَ لِشُعْبَةَ: لِمَ لاَ تُحَدِّثْ عَنْ عُثْمَانَ بْنَ أَبِي اليَقْظَانَ، - وَهُوَ عُثْمَانُ بْنُ عُمَيْرٍ -؟ فَقَالَ: «كَيْفَ أُحَدِّثُ عَنْ رَجُلٍ قَدْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ أُولَدَ!؟» (١). وإن هذا الصنف لا يمكن معرفته إلا بمعرفة مولد الشيوخ ووفاتهم، والبلدان التي رحلوا إليها، والأماكن التي أقاموا فيها، كيلا يستغل الوضاعون الشيوخ الثقات لترويج ما يضعون، وقد وفق علماء الأمة في هذا، فقسموا الرواة طبقات، وعرفوا كل شيء عنهم، ولم يخف عليهم من أحوالهم شيء، وفي هذا قال حفص بن غياث: «إِذَا اتَّهَمْتُمْ الشَّيْخَ فَحَاسِبُوهُ [بِالسِّنِينَ]» - يَعْنِي احْسِبُوا سِنَّهُ وَسِنَّ مَنْ كَتَبَ عَنْهُ -.

وَقَالَ حَسَّانُ بْنُ يَزِيدَ: «لَمْ نَسْتَعِنْ عَلَى الكَذَّابِينَ بِمِثْلِ التَّارِيخِ. نَقُولُ لِلشَّيْخِ: كَمْ سَنَةٍ؟ وَفِي أَيِّ تَارِيخٍ وُلِدَ؟ فَإِنْ أَقَرَّ بِمَوْلِدِهِ عَرَفْنَا صِدْقَهُ مِنْ كَذِبِهِ» (٢).

٣ - أَنْ يَنْفَرِدَ رَاوٍ مَعْرُوفٍ بِالكَذِبِ بِرِوَاِيَةِ حَدِيثٍ، وَلاَ يَرْوِيهِ ثِقَةٌ غَيْرُهُ فَيْحَكَمُ عَلَى رِوَاِيَتِهِ بِالوَضْعِ:

وقد استقصى جهابذة الأمة الكذابين، وبينوا ما كذبوا فيه حتى لم يخف منهم أحد.

٤ - ومن القرائن التي يدرك بها الوضع، ما يؤخذ من حال الراوي، «كَمَا وَقَعَ لِمَأْمُونِ بْنِ أَحْمَدَ، أَنَّه ذُكِرَ بِحَضْرَتِهِ الخِلاَفُ فِي كَوْنِ الحَسَنِ سَمِعَ مِنْ


(١) " قبول الأخبار ": ص ١٦.
(٢) " تهذيب التاريخ الكبير " لابن عساكر: ص ٢٦ جـ ١.