للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهم الرعيل الأول الذين حفظوا القرآن والسنة، فمن الطبيعي أن تتفق آراء التابعين وآراء الصحابة حول حكم التدوين، فإن الأسباب التي حملت الخلفاء الراشدين والصحابة على الكراهة هي نفسها التي حملت التابعين عليها، فيقف الجميع موقفًا واحدًا، ويكرهون الكتابة ما دامت أسباب الكراهة قائمة، ويجمعون على الكتابة وجوازها عند زوال تلك الأسباب، بل إن أكثرهم يحض على التدوين ويشجع عليه. ولن نستغرب أن نرى خبرين عن تابعي أحدها يمنع الكتابة والآخر يبيحها، ولن نعجب من كثرة الأخبار التي تدل على الكراهة في مختلف أجيال التابعين - كبارهم وأوسطهم وصغارهم - والأخبار التي تدل على الإباحة - ما دمنا نوجه كل مجموعة من هذه الأخبار وجهة تلائم الأسباب التي أدت إليها، ونرى أن سبيل الصحابة المتأخرين وكبار التابعين إباحة تقييد الحديث، بشروط تمتنع معها كراهته المأثورة عندهم عن النبي وكبار الصحابة (١)، فقد امتنع عن الكتابة من كبار التابعين عَبِيدَةُ بن عمرو السلماني المرادي (- ٧٢ هـ)، وإبراهيم بن يزيد التميمي (- ٩٢ هـ)، وجابر بن زيد (- ٩٣ هـ) وإبراهيم النخعي (- ٩٦ هـ)، ولم يرض عبيدة أن يكتب عنده أحد، ولا يقرأ عليه أحد (٢)، وقد نصح إبراهيم فقال له: «لاَ تُخَلِّدَنَّ عَنِّي كِتَابًا» (٣)، وقبل وفاته دعا بكتبه فأحرقها وقال: «أَخْشَى أَنْ يَلِيَهَا قَوْمٌ يَضَعُونَهَا غَيْرَ مَوَاضِعِهَا» (٤)، وكره إبراهيم النخعي أن تكتب


(١) انظر " تقييد العلم ": انظر تصدير أستاذنا الدكتور يوسف العش: ص ١٩ ومقالته في مجلة " الثقافة " المصرية: العدد (٣٥٢) السنة السابعة، الصفحة (٨).
(٢) " جامع بيان العلم ": ص ٦٧ جـ ١، و " تقييد العلم ": ص ٤٥، ٤٦، وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٣: ب.
(٣) " جامع بيان العلم ": ص ٦٧ جـ ١، و " تقييد العلم ": ص ٤٥، ٤٦، وانظر كتاب " العلم " لزهير بن حرب: ص ١٩٣: ب.
(٤) " جامع بيان العلم وفضله ": ص ٦٧ جـ ١، ونحوه في " سنن الدارمي ": ص ١٢١ جـ ١ وفي " طبقات ابن سعد ": ص ٢ جـ ٦.