للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومن الجدير بالذكر أنه كان لعلي بن لهيعة (- ١٧٤ هـ) محدث الديار المصرية كتب كثيرة، احترقت سَنَةَ (١٦٩ هـ) وكانت كتبه صحيحة (١)، ولابن لهيعة صحيفة في الحديث تعتبر من أقدم مجموعات الحديث، وهي موجودة ضمن مجموعة أوراق البردي (بهيدلبرج) (٢)، وكان الليث بن سعد (٩٤ - ١٧٥ هـ) شيخ الديار المصرية وعالمها تصانيف كثيرة (٣).

ولدينا كثير من أخبار المصنفات والمصنفين إلا أن المقام يضيق بذكرها ويكفي دليلاً على كثرة هذه المصنفات في نهاية القرن الثاني، أن علي بن عبد الله المديني (١٦١ - ٢٣٤ هـ) صنف في مختلف أبواب الحديث ورجاله وغريبه وشاذه وعلله نَيِّفًا ومائة مصنف، ذكر منها محمد بن صالح الهاشمي نَيِّفًا وخمسة وعشرين مصنفًا، وكل كتاب في عدة أجزاء بلغ بعضها ثلاثين جُزْءًا (٤).

هكذا ساهم علماء المسلمين في حفظ الحديث في صدورهم وفي كتبهم، وصدق علي بن المديني حين قال: «نَظَرْتُ فَإِذَا الإِسْنَادُ يَدُورُ عَلَى سِتَّةٍ: فَلأَهْلِ المَدِينَةِ ابْنُ شِهَابٍ (- ١٢٤ هـ)، وَلأَهْلِ مَكَّةَ عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ (٤٦ - ١٢٦ هـ) (٥)، وَلأَهْلِ البَصْرَةِ قَتَادَةُ بْنُ دِعَامَةَ السَّدُوسِيُّ (- ١١٧ هـ)، وَيَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ


(١) انظر " تذكرة الحفاظ ": ص ٢٢٠ جـ ١. قال الإمام أحمد: «مَا كَانَ مُحَدِّثَ مِصْرَ إِلاَّ ابْنَ لَهِيعَةَ». ويعود عدم احتجاج البخاري ومسلم به إلا في المتابعات لاحتراق كتبه. انظر " تذكرة الحفاظ ": ص ٢٢٠ جـ ١.
(٢) " نظرة عامة في تاريخ الفقه الإسلامي ": ص ١١٨.
(٣) انظر تذكرة الحفاظ ص ٢٠٩ جـ ١.
(٤) انظر " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٩٤. وليس في هذا مبالغة، لأن بعض الأجزاء لا تتجاوز وريقات. كما لا يستبعد هذا بالنسبة لابن المديني إمام عصره الذي كان يجله الإمام أحمد ويحترمه لسمو مكانته وسعة علمه. انظر " تقدمة الجرح والتعديل ": ص ٣١٩.
(٥) كان محسنا فقيهًا، قال فيه شُعْبَةُ: «مَا رَأَيْتُ أَثْبَتَ فِي الحَدِيثِ مِنْهُ». انظر " تاريخ الإسلام " للذهبي: ص ١١٤ جـ ٥ و" تهذيب التهذيب ": ص ٣٠ جـ ٨.