للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أقرب إلى الحقيقة إذا عرفنا أن كثير بن مرة توفي بين سَنَةَ (٧٠ و ٨٠) للهجرة (١)، فلو فرضنا أنه توفي سَنَةَ (٧٥ هـ) فمعنى هذا أن طلب الأمير كان قبل هذه السَّنَةِ، والراجح عندي أن طلب الأمير عبد العزيز، كان في السنين الأولى من إمارته، لما عرف عنه من حب للعلم وأهله، وتفان في خدمة الدين (٢). إلا أن المصادر لم تخبرنا عن امتثال كثير بن مرة للأمير. فنقف أمام هذا الخبر التاريخي متسائلين: ترى هل كتب كثير للأمير ما طلب منه من حديث رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وإذا كتب إليه فما مقدار ما كتبه؟ وعن أي الصحابة كتب؟ ثم إلى من آلت تلك الصحف أو الدفاتر المدونة؟ كل هذه أسئلة تعرض أمامنا، وتحتاج إلى بحث وتنقيب، وريثما يكشف لنا التاريخ عن خبايا تراثنا الإسلامي العظيم، نجيب عن هذه الأسئلة على ضوء ما لدينا من أخبار قليلة.

إن ما نعرفه من عناية هؤلاء بالحديث يرجح عندنا أن يستجيب كثير بن مرة لطلب الأمير، ولو ظن الأمير عبد العزيز امتناع عالم حمص عن إجابته ما كتب إليه، مما يرجح عندي أن كثيرًا تلقى رسالة الأمير وأجابه إلى طلبه، لما عرف عن كثير من نشاط علمي عظيم، ومن الصعب في هذا المجال أن نقدر مقدار ما كتب كثير، لأن المراجع لم تنص على شيء من هذا (٣)، فأرجو


(١) انظر " تهذيب التهذيب ": ص ٤٢٩ جـ ٨.
(٢) انظر " النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة ": ص ١٧١، ١٧٤ جـ ١، و" ولاة مصر " للكندي: ص ٤٩.
(٣) لأن التاريخ الأموي دُوِّنَ في عهد الدولة العباسية وقد اهتم المؤرخون بالحوادث الكبرى وبالخلفاء والخطوط العريضة من حياة الأمراء، وكانت كثير من مزايا الأمويين تطمس أو تصغر تمشيًا مع سياسة العباسيين الذين لا يسرهم التحدث بمفاخر من قبلهم. انظر " أضواء على التاريخ الإسلامي ": ص ٨٥. ونحن لا نشك بوجود مؤرخين منصفين نرجو أن نجد عندهم فيما بعد مَا يُرْوِي غَلِيلَنَا في هذه النقطة.