للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

باختلاف أحوالهم وسماعهم منه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

٦ - عِلْمُ الصَّحَابِي:

لم يكن الصحابة على درجة واحدة من العلم بِسُنَّةِ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وأحواله وأقواله، بل كانوا متفاوتين (١) لأن منهم المتفرغ الملازم لرسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يخدمه في معظم أوقاته، كأنس وأبي هريرة - رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا -، ومنهم من له ماشية في البادية، أو تجارة في الآفاق، ومنهم البدوي والحضري والمقيم والظاعن، وقد سبق أن بينت كيف كانوا يتلقون الأحكام والعلم عن الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، لذلك كان الصحابة - عَلَيْهِمْ رِضْوَانُ اللهِ - مختلفين في مقدار ما حملوا عنه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -. وفي ذلك يقول مسروق: «جَالَسْتُ أَصْحَابَ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَوَجَدْتُهُمْ كَالإِخَاذِ، فَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَ، وَالإِخَاذُ يَرْوِي الرَّجُلَيْنِ، [وَالإِخَاذُ يَرْوِي الْعَشَرَةَ]، وَالإِخَاذُ يَرْوِي المِائَةَ، وَالإِخَاذُ لَوْ نَزَلَ بِهِ أَهْلُ الأَرْضِ لأَصْدَرَهُمْ» (٢).

ويمكننا أن نعرف علم الصحابي كما قال ابن حزم: «لأحد وَجْهَيْن لاَ ثَالِث لَهما أَحدهمَا كَثْرَة رِوَايَته وفتاويه وَالثَّانِي كَثْرَة اسْتِعْمَال النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم لَهُ فَمن المحَال الباطل أن يستعمل النبي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من لا علم له وهذا أكبر شهادات على العلم وسعته» (٣).


(١) انظر " رفع الملام عن الأئمة الأعلام " لابن تيمية: ص ٣ حيث تكلم عن تفاوت الصحابة في الإلمام بالأحكام.
(٢) وتتمة قول مسروق: «فَوَجَدْتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ مِنْ ذَلِكَ الإِخَاذِ» " طبقات ابن سعد ": ص ١٠٤ قسم ٢ جـ ٢، والإخاذ هو الغدير وجمعها آخاذ نادر. انظر " لسان العرب " مادة (أخذ) ص ٤ جـ ٥.
(٣) " الفصل في الملل والأهواء والنحل " لابن حزم: ص ١٣٦ جـ ٤.