للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

سيرتهم. ثم إنَّ روايات أهل الأهواء تسرَّبتْ إلى التاريخ الإسلامي، وخاصة ما يتعلَّق بأخبار الأمويِّين، لأَنَّ كُتُبَ التاريخ كتبت بعد بني أمية، فشوَّهتْ سيرتهم (١)، ومع هذا لم يعدم التاريخ الرجال الأمناء المُخْلِصِينَ، الذين دَوَّنُوا حوادثه بأسانيدها حتى يَتَبَيَّنَ المُطَّلِعُ الصَّحِيحَ من الباطلِ، فليس كل خبر في كتاب يقبل ويؤخذ به، فلا بد من دراسته دراسة عِلْمِيَّةٍ حسب منهج المُحَدِّثِينَ الدقيق - سَنَدًا وَمَتْنًا.

ثم إنا نستبعد صحة هذا الخبر، فإنَّ عُرْوَةَ ولد سَنَةَ (٢٢ هـ) فكان عمره في فتنة عثمان - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (١٣ سَنَةً)، وعندما استشهد أمير المؤمنين عَلِيٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - (١٨ سَنَةً)، فكيف يحمل خليفة كمعاوية يحمل عروة بن الزبير على وضع أحاديث تطعن في عَلِيٍّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -؟ ولا يزال عروة يَافِعًا على عَتَبَةِ العلم لم يشتهر بعد!؟ فكان أحرى بمعاوية - لو صَحَّ الخبر - أنْ يُغري من هو أشهر منه وأعلم من كبار الصحابة والتابعين،

وإن قال قائل إنما استعان به أيام خلافته بعد استشهاد الخليفة الراشد الرابع، فالجواب بَدَهِيٌّ في أنَّ كلمة المسلمين اجتمعت سَنَةَ (٤٠ هـ) عام الجماعة، حين بايع الحسن معاوية بالخلافة وثبتت دعائم الحكم، فلم تبق أية ضرورة للدعاية للأمويِّين وهم الحكام وبيدهم الزمام.

ولو سلَّمنا جدلاً أنَّ عروة قد قام بما ادَّعَاهُ المؤلف - فهل يسكت عنه علماء الأُمَّة أصحاب رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ وبينهم الأبطال الشُجعان، وفيهم الأقوياء الأفذاذ؟؟ لقد كانت الأُمَّةُ الإسلامية واعية في ذلك العصر، عرف أبناؤها الحوادث جميعها وعاصروها واختبروها فلم تعد تخفى دقائقها


(١) انظر " العواصم من القواصم ": ص ١٧٧.