للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العِلْمَ، وَلاَ تَشَاغَلْ عَنْهُ بِشَيْءٍ، فَإِنِّي أَرَى لَكَ عَيْنًا حَافِظَةً، وَقَلْبًا ذَكِيًّا، وَآتِ الأَنْصَارَ فِي مَنَازِلِهِمْ».

وَقَالَ صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ،: «اجْتَمَعَتُ أَنَا وَالزُّهْرِيُّ، وَنَحْنُ، نَطْلُبُ العِلْمَ فَقُلْنَا نَكْتُبُ السُّنَنَ , فَكَتَبْنَا مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ , صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ , ثُمَّ قَالَ: " نَكْتُبُ مَا جَاءَ عَنْ الصَّحَابَةِ فَإِنَّهُ سُنَّةٌ " , فَقُلْتُ أَنَا: " لَيْسَ بِسُنَّةٍ فَلاَ نَكْتُبُهُ " , قَالَ: " فَكَتَبَ وَلَمْ أَكْتُبْ فَأَنْجَحَ وَضَيَّعْتُ "».

ويروى عن الزهري أنه كان يكتب الحديث، ويتذكره، فإذا حفظه محاه. وكان من أنشط طلاب العلم في طلب الحديث يتردد كثيرًا على حلقات العلماء ولا يترك أحدًا يعرف عنده شيئًا من العلم إلا قصده، وفي هذا قال إِبْرَاهِيمُ بْنِ سَعْدٍ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ: «قُلْتُ لأَبِي: " بِمَ [فَاقَكُمُ] الزُّهْرِيُّ؟ " قَالَ: " كَانَ يَأْتِي المَجَالِسَ مِنْ صُدُورِهَا، وَلاَ يَلْقَى فِي المَجْلِسِ كَهْلاً إِلاَّ سَاءَلَهُ وَلاَ شَابًّا إِلاَّ سَاءَلَهُ، ثُمَّ يَأْتِي الدَّارَ مِنْ دُورِ الأَنْصَارِ، فَلاَ يَلْقَى فِيهَا شَابًّا إِلاَّ سَاءَلَهُ، وَلاَ كَهْلاً وَلاَ عَجُوزًا وَلاَ كَهَلَةً إِلاَّ سَاءَلَهُ حَتَّى يُحَاوِلُ رَبَّاتِ الْحِجَالِ "» (١).

قال أبو الزناد: «كُنَّا نَكْتُبُ الحَلاَلَ وَالحَرَامَ، وَكَانَ [ابْنُ شِهَابٍ] يَكْتُبُ كُلَّ مَا سَمِعَ، فَلَمَّا احْتِيجَ إِلَيْهِ عَلِمْتُ أَنَّهُ أَعْلَمُ النَّاسِ» (٢).

[٣]- حِفْظُهُ:


اشتهر الزهري بذاكرته القوية، وسرعة حفظه، وكان يقول: «مَا اسْتَوْدَعْتُ قَلْبَي شَيْئًا قَطُّ فَنَسِيتُهُ»، وقال: «مَا اسْتَعَدْتُ حَدِيثًا إِلاَّ مَرَّةً، فَسَأَلْتُ صَاحِبِي، فَإِذَا هُوَ كَمَا حَفِظْتُ».