للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حِرْصًا شَدِيدًا، إلى جانب قيامهم بأعمالهم المعاشية من الرعاية والتجارة وغيرها، وقد يعسر على بعضهم الحضور، فيتناوبون مجالسه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، كما كان يفعل ذلك عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -، قال: «كُنْتُ أَنَا وَجَارٌ لِي مِنَ الأَنْصَارِ فِي بَنِي أُمَيَّةَ بْنِ زَيْدٍ - وَهِيَ مِنْ عَوَالِي المَدِينَةِ - وَكُنَّا نَتَنَاوَبُ النُّزُولَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَنْزِلُ يَوْمًا وَأَنْزِلُ يَوْمًا، فَإِذَا نَزَلْتُ جِئْتُهُ بِخَبَرِ ذَلِكَ اليَوْمِ مِنَ الوَحْيِ وَغَيْرِهِ، وَإِذَا نَزَلَ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ» (١).

وَيَقُولُ البَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ الأْوسِيِّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «مَا كُلُّ الحَدِيثِ سَمِعْنَاهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، كَانَ يُحَدِّثُنَا أَصْحَابُنَا، وَكُنَّا مُشْتَغِلِينَ فِي رِعَايَةِ الإِبِلِ، وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانُوا يَطْلُبُونَ مَا يَفُوتُهُمْ سَمَاعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَيَسْمَعُونَهُ مِنْ أَقْرَانِهِمْ، وَمِمَّنْ هُوَ أَحْفَظُ مِنْهُمْ، وَكَانُوا يُشَدِّدُونَ عَلَى مَنْ يَسْمَعُونَ مِنْهُ» (٢).

وفي رواية عنه: «لَيْسَ كُلُّنَا كَانَ يَسْمَعُ حَدِيثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَتْ لَنَا ضَيْعَةٌ وَأَشْغَالٌ، وَلَكِنِ النَّاسُ لَمْ يَكُونُوا يَكْذِبُونَ يَوْمَئِذٍ، فَيُحَدِّثُ الشَّاهِدُ الغَائِبَ» (٣).

وعن أنس بن مالك - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «[وَاللَّهِ مَا كُلُّ مَا نُحَدِّثُكُمْ سَمِعْنَاهُ] مِنْ رَسُولِ اللَّهِ، وَلَكِنْ كَانَ يُحَدِّثُ بَعْضُنَا بَعْضًا وَلاَ يَتَّهِمُ بَعْضُنَا بَعْضًا» (٤). وَفِي رِوَايَةٍ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ أَنَسًا حَدَّثَ بِحَدِيثٍ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ:


(١) " فتح الباري ": ص ١٩٥ جـ ١.
(٢) " معرفة علوم الحديث ": ص ١٤.
(٣) " المحدث الفاصل بين الراوي والواعي ": ص ٣٢ - ٣٣. و " الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع ": ص ١٢: آونحوه في " قبول الأخبار ومعرفة الرجال ": ص ٩ و ١٠.
(٤) " قبول الأخبار ": ص ٩. أورد أبو القاسم البلخي في الصفحات الأولى من كتابه من (١ - ٤٦) أخبارًا جيدة عن السُنَّةِ والحديث وسماع الصحابة ثم ما لبث أَنْ قلب ظهر المجن لهم وبدأ يطعن في أهل الحديث، وهو معتزلي مشهور، وفاته (٣١٧ أو ٣١٩ هـ) وَسَأَتَعَرَّضُ لِلْرَدِّ عَلَيْهِ في مواطن أخرى من هذا الكتاب.