للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الأول، ليقفوا على حقيقة تطمئن قلوبهم إليها، وتثلج صدورهم عندها. وقد يخجل الصحابي من الرسول - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فيكلف غيره عبء السؤال، من ذلك ما يرويه عليُّ بن أبي طالب قال: كُنْتُ رَجُلاً مَذَّاءً، فَكُنْتُ أَسْتَحْيِى أَنْ أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - لِمَكَانِ ابْنَتِهِ، فَأَمَرْتُ المِقْدَادَ بْنَ الأَسْوَدِ (١) فَسَأَلَهُ فَقَالَ: «يَغْسِلُ ذَكَرَهُ وَيَتَوَضَّأُ» (٢).

وَرَوَى قَيْسٌ بْنِ طَلْقٍ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّهُ سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَوْ سَأَلَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: بَيْنَا أَنَا فِي الصَّلاةِ ذَهَبْتُ أَحُكُّ فَخِذِي، فَأَصَابَتْ يَدِي ذَكَرِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «هَلْ هُوَ إِلاَّ بِضْعَةٌ مِنْك؟» (٣).

وقد يسألونه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن أخص من ذلك كما روى عروة عن عائشة - رَضِيَ اللهُ عَنْهَا -، قال: جَاءَتْ امْرَأَةُ رِفَاعَةَ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَتْ: إنَّ رِفَاعَة طَلَّقَنِي، فَبَتَّ (٤) طَلاَقِي، فَتَزَوَّجْتُ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ الزَّبِيرِ وَإِنَّ مَا مَعَهُ مِثْلُ هُدْبَةِ الثَّوْبِ. فَقَالَ: «أَتُرِيدِينَ أَنْ تَرْجِعِي إِلَى رِفَاعَةَ؟ لاَ حَتَّى تَذُوقِي عُسَيْلَتَهُ وَيَذُوقَ عُسَيْلَتَكِ» وَأَبُو بَكْرٍ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَخَالِدُ بْنُ سَعِيدٍ يَنْتَظِرُ أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ، فَقَالَ: يَا أَبَا بَكْرٍ، أَلا تَسْمَعُ مَا تَجْهَرُ بِهِ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؟ (٥).

لقد كان المسلمون يسألونه عن أمورهم وأحوالهم، لا يحجبهم عنه حاجب،


(١) " فتح الباري ": ص ٢٩٤ جـ ١ و " صحيح مسلم ": ص ٢٤٧ حديث ١٧ جـ ١.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٣٩ حديث ٦٠٦ وص ٤٦ حديث ٦١٨ جـ ٢ بإسناد صحيح، و" فتح الباري ": ص ٢٩٤ و ٣٩٤ جـ ١، و" صحيح مسلم ": ص ٢٤٧ حديث ١٧ - ١٩ جـ ١.
(٣) " معرفة علوم الحديث ": ص ١٣٢، وقال الحاكم ... «لم يذكر الزيادة في حك الفخذ غير عبد الله بن رجاء عن همام بن يحيى وهما ثقتان».
(٤) بَتَّ وأَبَتَّ أي طلقني ثلاثاً. والبَتُّ: القطع. ورفاعة المذكور هو رفاعة القرظي.
(٥) " معرفة علوم الحديث ": ص ١٣٠ و " صحيح مسلم ": ص ١٠٥٥ حديث ١١١ وما بعده جـ ٢.