للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يمنعهم منه مانع، لذلك نرى الأعرابي البعيد عنه يسأله كما يساله الصحابي الملازم له، كلهم يريدون الحق، قال عليٌّ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم -، فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، إِنَّا نَكُونُ بِالبَادِيَةِ، فَتَخْرُجُ مِنْ أَحَدِنَا الرُّوَيْحَةُ (١)، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إِنَّ الله - عَزَّ وَجَلَّ - لاَ يَسْتَحِي مِنَ الحَقِّ، إِذَا فَعَلَ أَحَدُكُمْ فَلْيَتَوَضَّأْ، وَلاَ تَأْتُوا النِّسَاءَ فِي أَعْجَازِهِنَّ» (٢).

إنَّ هؤلاء الصحابة الذي يسألون رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عن مثل هذه الأمور الشخصية التي قد يخجل منها غيرهم، كانوا لا يحجبون عن سؤاله في معاملاتهم وعباداتهم وعقائدهم وسائر أمورهم، بل إِنَّ بعضهم كان إذا وصله خبر عن رسول الله - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، يعود إليه لينهل من معينه، وَيَتَزَوَّدُ مِنْ عِلْمِهِ، كَمَا حَدَثَ لِضَمَامٍ بْنِ ثَعْلَبَةَ وَقَوْمَهُ حِينَ جَاءَهُمْ رَسُولُ رَسُولِ اللهِ يُبَلِّغُهُم الرِّسَالَةَ (٣)، فَانْطَلَقَ ضِمَامٌ إِلَى رَسُولِ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَكَانَ حَوْلَهُ أَصْحَابُهُ، فَدَخَلَ المَسْجِدَ عَلَى جَمَلٍ، قَالَ أَنَسٌ: « ... فَأَنَاخَهُ فِي المَسْجِدِ، عَقْلَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: أَيُّكُمْ مُحَمَّدٌ؟ وَالنَّبِيُّ مُتَّكِئٌ بَيْنَ ظَهْرَانِيهِمْ. فَقُلْنَا: هَذَا الرَّجُلُ الأَبْيَضُ المُتَّكِئُ. فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ (ضِمَامٌ): ابْنُ عَبْدِ المُطَّلِبِ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «قَدْ أَجَبْتُكَ» فَقَالَ الرَّجُلُ لِلْنَّبِيِّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنِّي سَائِلُكَ فَمُشَدِّدٌ عَلَيْكَ فِي المَسْأَلَة، فَلاَ تَجِدْ عَلَيَّ فِي نَفْسِكَ. فَقَالَ: «سَلْ عَمَّا بَدَا لَكَ». قَالَ: أَسْأَلُكَ بِرَبِّكَ وَرَبِّ مَنْ قَبْلَكَ، آللَّهُ أَرْسَلَكَ إِلَى النَّاسِ


(١) الرويحة تصغير رائحة وَكَنَّى بها هنا عن الريح الذي ينطلق من البطن عن طريق الشرج.
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٦٤ حديث ٦٥٥ جـ ٢ (وقال مرة: «فِي أَدْبَارِهِنَّ»).
(٣) انظر " معرفة علوم الحديث ": ص ٥ وقد أخرجه مسلم.