للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَسُنَّتِهِ، ولو كانوا يشرفون على الموت والهلاك.

وكان الصحابة جَمِيعًا يحرصون على سُنَنِ النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -، ويأمر بعضهم بعضًا باتباعها، مِنْ ذَلِكَ أََنَّ عُمَرَ بْنُ الخَطَّابِ رَأَى زَيْدَ بْنِ خَالِدٍ الْجُهَنِيِّ يَرْكَعُ بَعْدَ الْعَصْرِ رَكْعَتَيْنِ فَمَشَى إِلَيْهِ وَضَرَبَهُ بِالدِّرَّةِ، فَقَالَ لَهُ: «يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ اضْرِبْ فَوَاللَّهِ لاَ أَدَعْهُمَا بَعْدَ أَنْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّيهِمَا»، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: «يَا زَيْدُ لَوْلاَ أَنِّي أَخْشَى أَنْ [يَتَّخِذَهُمَا] النَّاسُ سُلَّمًا إِلَى الصَّلاَةِ حَتَّى اللَّيْلِ لَمْ أَضْرِبْ فِيهِمَا» (١).

ويرى عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - الناس قد أقبلوا على طيبات الدنيا مما أَحَلَّ لهم الله تعالى، فيُذكِّرهم برسولهم - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فيقول: «لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَظَلُّ الْيَوْمَ يَلْتَوِي، مَا يَجِدُ دَقَلاً يَمْلأُ بِهِ بَطْنَهُ». (٢).

لقد كان عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - وصحابة رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَأَسَّوْنَ بالرسول الكريم ما استطاعوا في جميع أحوالهم، فلما طعن عمر - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - قِيلَ لَهُ: أَلاَ تَسْتَخْلِفُ؟ فَقَالَ: «إِنْ أَتْرُكْ فَقَدْ تَرَكَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنْ أَسْتَخْلِفْ فَقَدِ اسْتَخْلَفَ مَنْ هُوَ خَيْرٌ مِنِّي أَبُو بَكْرٍ» (٣).

حَدَّثَ مَالِكٌ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ الزِّيَادِيَّ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ جَاءَ يَسْتَأْذِنُ عَلَى عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانٍ، فَأَذِنَ لَهُ وَبِيَدِهِ عَصَاهُ، فَقَالَ عُثْمَانُ: يَا كَعْبُ، إِنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ تُوُفِّيَ وَتَرَكَ مَالاً، فَمَا تَرَى فِيهِ؟ فَقَالَ: إِنْ كَانَ يَصِلُ فِيهِ حَقَّ اللهِ فَلا بَأْسَ عَلَيْهِ. فَرَفَعَ


(١) كتاب " الإجابة لإيراد ما استدركته عائشة على الصحابة ": ص ٩٢، وقد روى الإمام مسلم عن أنس قال: «كَانَ عُمَرُ يَضْرِبُ الأَيْدِي عَلَى صَلاَةٍ بَعْدَ الْعَصْرِ».
(٢) " مسند الإمام أحمد ": ص ٣٠٧ و ٣٢٤ جـ ١ بإسناد صحيح، والدقل هو رديء التمر ويابسه.
(٣) المرجع السابق: ص ٢٨٤ جـ ١.