للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

على الشيخ وهو يسمع وأنا كذلك أسمع». وَجَوَّزَ كثير من أهل الحديث أن يقول التلميذ عند الأداء: حدثنا الشيخ قراءة عليه «أَوْ» أخبرنا قراءة عليه «أَوْ» سمعت من الشيخ قراءة عليه يذكر هذا القيد الأخير إلزامًا، لأن عدم ذكره يوهم حصول «السَّمَاعِ» الذي هو أعلى صور التحمل على التحقيق (١). ونحن لم ننس بعد أن «أًخْبَرَنَا» و «حَدَّثَنَا» و «سَمِعْتُ» صيغ اصطلاحية تفيد «السَّمَاعَ» عند الإطلاق.

ثَالِثًا: الإِجَازَةُ:

لاحضنا في «السَّمَاعِ» أن المُتَحَمِّلَ يسمع من لفظ الشيخ، وفي «القِرَاءَةِ» أن التلميذ يعرض على شيخه قراءته، فكلتا الصورتين تشمل على الرواية مع الإسناد المتصل، إما من النطق والمشافهة، وإما من النقل الصحيح. والإجازة لا تشتمل على شيء من هذا، لأنها عبارة عن إذن الشيخ لتلميذه برواية مسموعاته أو مؤلفاته، ولو لم يسمعها منه ولم يقرأها عليه. لذلك يعترض ابن حزم على الإجازة ويراها «بِدْعَةً غَيْرَ جَائِزَةٍ»، ويزيد بعضهم على ذلك فيقول مُتَشَدِّدًا في إنكارها: «مَنْ قَالَ لِغَيْرِهِ: " أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَرْوِيَ عَنِّي مَا لَمْ تَسْمَعْ "، فَكَأَنَّهُ قَالَ: " أَجَزْتُ لَكَ أَنْ تَكْذِبَ عَلَيَّ "، لأَنَّ الشَّرْعَ لاَ يُبِيحُ رِوَايَةَ مَا لَمْ يَسْمَعْ» (٢).

وهذه مغالاة، فإن بعض صور الإجازة لا يبلغ هذا الحد من ضعف الرواية،


(١) " الباعث الحثيث ": ص ١٢٥ وقارن بـ " التدريب ": ص ١٣٢.
(٢) " التدريب ": ص ١٣١.