للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لكن القاضي عياضًا لا يُصَحِّحُ هذا القياس، ولا يرى وَجْهًا للمُشابهة بين الشهادة على الشهادة وبين الإعلام على هذا النحو «لأَنَّ الشَّهَادَةَ عَلَى الشَّهَادَةِ لاَ تَصِحُّ إِلاَّ مَعَ الإِذْنِ فِي كُلِّ حَالٍ، وَالْحَدِيثُ عَنِ السَّمَاعِ وَالْقِرَاءَةِ لاَ يُحْتَاجُ فِيهِ إِلَى إِذْنٍ بِاتِّفَاقٍ، وَأَيْضًا فَالشَّهَادَةُ تَفْتَرِقُ مِنَ الرِّوَايَةِ فِي أَكْثَرِ الوُجُوهِ» (١).

واستدلالُ القاضي عياض صريح في تسويغه الرواية بالاعلام ولو كان التلميذ ممنوعًا من شيخه من الأداء عنه. ويرى بعض الظاهرية (٢) أنَّ نَهْيَ الشيخ تلميذه عن رواية ما أعلمه به مُسَاوٍ لِنَهْيِهِ إِيَّاهُ عن رواية ما سمعه منه سَمَاعًا حَقِيقِيًّا (٣).

سَابِعًا: الوَصِيَّةُ:

الوصية صورة نادرة من صور التحمل يراد بها تصريح الشيخ عند سفره أو على فراش موته بأنه يوصي لفلان بكتاب مُعَيَّنٍ كان يرويه (٤).

وقد أباح بعض السلف للشخص المُوصَى لَهُ رواية ذلك الكتاب عن الموصى، لأنهم رأوا في هذه الوصية شبهًا من الإعلام وضربًا من المناولة، فكان الشيخ بوصيته هذه قد ناول تلميذه شيئًا مُعَيَّنًا وأعلمه بأنه من مروياته، غير أنَّ ألفاظه لم تكن واضحة في ذلك (٥).


(١) " التدريب ": ص ١٤٨.
(٢) الظاهرية هم أتباع داود بن علي الظاهري (- ٢٧٠ هـ)، سُمُّوا بذلك لأنهم يقفون عند ظاهر النصوص.
(٣) " اختصار علوم الحديث ": ص ١٤٠.
(٤) " التدريب ": ص ١٤٨.
(٥) " الباعث الحثيث ": ص ١٤١.