للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

والبحث عن عدالة المخبر كالبحث عن عدالة الشاهد يتناول ضروبًا من الاستقصاء الدقيق الذي لا يجرح كرامة أحد، بل يُزَكِّي الخبر المروي من خلال تزكية المخبر الراوي: «شَهِدَ رَجُلٌ عِنْدَ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ - بِشَهَادَةٍ، فَقَالَ لَهُ: " لَسْتُ أَعْرِفُكَ، وَلاَ يَضُرُّكَ أَلاَّ أَعْرِفَكَ، ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُكَ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَ الْقَوْمِ: أنا أَعْرِفُهُ. قَالَ: فَبِأَيِّ شَيْءٍ تَعْرِفُهُ؟ قَالَ: بِالأَمَانَةِ وَالعَدْلِ (*)، قَالَ: فَهُوَ جَارُكَ الأَدْنَى الَّذِي تَعْرِفُ لَيْلَهُ وَنَهَارَهُ، وَمُدْخَلَهُ وَمُخْرَجَهُ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَمُعَامِلُكَ بِالدِّينَارِ وَالدِّرْهَمِ اللَّذَيْنِ بِهِمَا يُسْتَدَلُّ عَلَى الْوَرَعِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: فَرَفِيقُكَ فِي السَّفَرِ الَّذِي يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى مَكَارِمِ الأَخْلَاقِ؟ قَالَ: لاَ. قَالَ: لَسْتَ تَعْرِفُهُ، ثُمَّ قَالَ لِلرَّجُلِ: ائْتِ بِمَنْ يَعْرِفُكَ "(١).

ولا غرابة بعد هذا أن يكره المحدثون الرواية عن أهل الأهواء والبدع (٢)، وعن أهل المجون والخلاعة (٣)، على حين تساهلوا في الرواية عن المشاهير من غير أن يسألوا عن سبب عدالتهم: فمن اشتهرت عدالته بين أهل العلم من المحدثين أو غيرهم وشاع الثناء عليه بها لا يحتاج إلى تعديل المُزَكِّينَ، كمالك بن أنس، وسفيان بن عُيَيْنَةَ، وسفيان الثوري (٤)، والأوزاعي (٥)،


(*) [في رواية (بِالْعَدَالَةِ وَالْفَضْلِ)، انظر " الكفاية " تحقيق وتعليق أبي إسحاق إبراهيم بن مصطفى آل بحبح الدمياطي، الطبعة الأولى: ١٤٢٣ هـ - ٢٠٠٣ م، ١/ ٢٧٨، دار الهدى. ميت غمر. مصر].
(١) " الكفاية ": ص ٨٤.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي ": ١/ ١٨ وجه ١.
(٣) " الكفاية ": ص ١٥٦.
(٤) هو شيخ الإسلام وسيد الحفاظ سفيان بن سعيد بن مسروق الثوري، نسبة إلى ثور وهو أبو قبيلة من مضر. تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٦٠ أو ١٦١ هـ (انظر " الرسالة المستطرفة ": ص ٣١).
(٥) هو شيخ الإسلام الحافظ عبد الرحمن بن عمرو بن محمد المشهور بالأوزاعي، وصفه الوليد بين مزيد فقال: «تَعْجِزُ المُلُوكُ أَنْ تُؤَدِّبَ أَوْلاَدَهَا أَدَبَهُ فِي نَفْسِهِ». تُوُفِّيَ سَنَةَ ١٥٧ هـ (انظر " تذكرة الحفاظ ": ١/ ١٧٨ - ١٨٣).