للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بل يشترطون أَنْ يُؤْمَنَ تَوَاطُؤُ هذا الجمع على الكذب في العرف والعادة (١).

ويسرف الباحث في الظن الخاطئ أحيانًا حين يستنتج أن بعض نقاد الحديث لم يستبعدوا أن يكون لتعدد الرواة أثر في تصحيح الحديث.

وفي كلام الحاكم أبي عبد الله ما يوهم أخذه بهذا المقياس العددي حين اشترط في «الصَّحِيحِ» أن يكون له راويان. وقد أوضحنا اتجاهه هذا في بحث (الصحيح) (٢). على أن من حق الحاكم علينا أن نفسر اتجاهه تفسيرًا سليمًا. فهو إذ يشترط تعزيز الصحيح لا يحكم بتصحيح العزيز، فالصحيح عنده لا بد أن يكون عَزِيزًا ولا يحوز أن يكون فردًا ولا غريبًا، أما العزيز فلا يكون دائمًا صحيحًا، بل المشهور والمستفيض - على تعدد رواتهما واشتراط الجمع فيهما - ليسا دائمًا صحيحين، إذ يكون فيهما الحسن والضعيف، وربما الباطل والموضوع. وعبارة الحاكم في هذا الباب أصرح من أَنْ تُؤَوَّلَ، فهو يقول: «وَالمَشْهُورِ مِنَ الحَدِيثِ غَيْرِ الصَّحِيحِ، فَرُبَّ حَدِيثٍ مَشْهُورٍ لَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ» (٣). ويستشهد الحاكم على ذلك بطائفة من الأحاديث منها الحسان ومنها الضعاف، ثم يقول: «فَكُلُّ هَذِهِ الأَحَادِيثِ مَشْهُورَةٌ بِأَسَانِيدِهَا وَطُرُقِهَا وَأَبْوَابٍ يَجْمَعُهَا أَصْحَابُ الحَدِيثِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ مِنْهَا تُجْمَعُ طُرُقُهُ فِي جُزْءٍ أَوْ جُزْئَيْنِ، وَلَمْ يُخَرَّجْ فِي الصَّحِيحِ».

ولقد اطلع السيوطي على هذه الأحاديث التي استشهد بها الحاكم، فدقق النظر فيها وأحسن التمييز بينها، وَسَمَّى كُلاًّ منها باسمه الاصطلاحي اللائق به


(١) قارن بما ذكرناه ص ١٤٩.
(٢) راجع ص ١٥٢.
(٣) " معرفة علوم الحديث ": ص ٩٢.