للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلا وسيلة لتزكية الخبر المروي، ولقد استوجب هذا التشدد أن تقاس تلك الشروط بمقاييس إنسانية مشتركة، تصلح لأن تأخذ بها كل أمة في القديم والحديث، لاْنها صادرة في أغلب صورها عن منهج موضوعي يتعالى عن الأشخاص، وعن كل ما تفرضه قدسية بعض الأشخاص من التملق والنفاق.

لا قيمة للألقاب في هذا المنهج، فالمقياس نسبي لا ضير معه أن يُرْمَى بعض الصحابة بالتدليس، ولا ضير أن يعزى التصحيف إلى العلماء الأعلام، كالإمام مالك، ولا بأس أن يفضل الإسناد النازل عن الثقات على الإسناد العالي عن غير الثقات، ولا خير في التحديث عن الأحياء، فالمعاصرة حجاب، ولا مانع من وجود أحاديث فيها مقال في كل من " الصحيحين " (١)، وأحاديث ضعيفة في " مسند أحمد " (٢)، بل لا مانع أن يقوم الجدل بصورة عامة حول الحديث الآحادى هل يفيد الظن رغم صحته ورغم جميع الشروط التي روعيت لدى تصحيحه، ورغم انبناء جل التشريع الإسلامي عليه.

ومقياس المحدثين زماني مكاني، أو تاريخي جغرافي، فلما استعمل الرواة الكذب استعمل لهم النقاد التاريخ، واشترطوا معرفة الرجال وطبقاتهم والعناية بمواليدهم ووفياتهم، واشترطوا تقييد أسماء الرجال باسم البلد الذي حَدَّثُوا فيه، وذكروا قصصًا وأخبارًا حكموا عليها بالتدليس بسبب جهل الراوي بتاريخ وفاة المروي عنه، وجعلوا من أمارات الوضع مخالفة الحقائق التاريخية بوجه عام (٣)،


(١) فقد وجدوا في أحاديث " البخاري " (١١٠) انتقدوها عليه، خَرَّجَ منها " مسلم " (٣٢) حديثًا، وانفرد " البخاري " منها بثمان وسبعين. وليست عللها كلها قادحة كما لاحظ ابن حجر.
(٢) ولذلك هب الكثيرون يدافعون عن " المسند " كما رأينا ص ٢٧٢.
(٣) كحديث وضع الجزية عن أهل خيبر فهذا كذب من عدة وجوه، أهمها أن فيه =