للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فيها كثير من شعر الجاهليين الذين لم يدركوا الإسلام، والمخضرمين الذين أدركوا الجاهلية والإسلام، وفيها أحيانًا طائفة من الشعر الإسلامي الذي لم يدرك أصحابه من الجاهلية شيئًا (١). فهل تيسر لأحد منهم أن ينقل تلك الشواهد كلها من غير أن يتأثر، قليلاً أو كثيرًا، بطريقة المحدثين في إسناد الروايات؟.

ربما رفع ههنا بعض الباحثين المعاصرين عقيرتهم لينادوا بنا: بل تأثرت رواية الحديث برواية الشعر وأخبار الشعراء الجاهليين، فإن من الصحابة من أشار إلى أخذ الشعر وتلقيه عن بعض الشعراء قبل الاسلام، حتى قال عمر بن الخطاب لفرات بن زيد الليثي، وقد تمثل بشعر لأخيه: «هَذَا شِعْرُ أَخِيكَ قََسَامَةُ بْنَ زَيْدٍ، هُوَ أَنْشَدَنِيهُ وَعَنْهُ أَخَذْتُهُ» (٢). ولست أدري لماذا يأبى الباحثون - إزاء مثل هذا الخبر إن صح - إلا أن يعدوه دليلاً على إسناد الجاهليين أخبار الشعراء لمجرد كون الشعر المُتَمَثِّلِ به جاهليًا (٣)، لا يرون فيه قط أثرًا مما صنعه الإسلام في مثل عمر من الحرص على عَزْوِ كل قول إلى صاحبه ما دام معروفًا، إيثارًا للصدق والورع والأمانة ومكارم الأخلاق!.


(١) طبقة الشعراء الإسلاميين لم يمل إلى الاحتجاج بها في علوم اللغة والأدب إلا ثلة من العلماء المحققين، كالبغدادي في " خزانة الأدب ": ١/ ٢٠.
(٢) " الإصابة " (لابن حجر): ٥/ ٢١٦.
(٣) من ذلك أن صديقنا المحقق المفضال الدكتور ناصر الدين الأسد - حين يعرض لهذه الرواية - يعلق عليها بقوله: «والرواية سبيل طبيعية في كل عصر وعند كل أمة، حتى حين تنتشر الكتابة وتذيع. بينما كانت رواية الحديث أمرًا طرأ على العرب بعد الإسلام». (" مصادر الشعر الجاهلي ": ص ٢٥٦).