للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عُمَرَ، وَلاَ عَنْ عُمَرَ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ عَلْقَمَةَ، وَلاَ عَنْ عَلْقَمَةَ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ مُحَمَّدٍ، وَلاَ عَنْ مُحَمَّدٍ إِلاَّ مِنْ حَدِيثِ يَحْيَى» (١): فلا يكون متواترًا (٢) لانفراد عمر به. وهو - فوق هذا - لم يكن معروفًا إلاَّ في المدينة، ولكنه استفاض بعد ذلك في سائر الأمصار بصيغته المشهورة، فكان دليلاً واضحًا على ما للرحلات من أثر في توحيد نص الأحاديث ونقلها من طابعها الإقليمي الأصلي إلى الطابع العام المشترك: ولذلك تشابهت الروايات الماثلة في الكتب الصحيحة. حول الموضوع الواحد إلاَّ في بعض الفروق الدقيقة اليسيرة التي لم يفت المُحَدِّثِينَ التنبيه عليها، ولم يكن سبب هذا التشابه النادر العجيب إلاَّ تلاقي الرُواة حي يرتحل بعضهم إلى بعض، أو يُلَقِّنَ بَعْضَهُمْ بَعْضًا، وَيُحَدِّثُونَ الناس في الذهاب والاياب (٣).

ولم يقف أثر هذه الرحلات عند حد التشابه بين النصوص، أو التوحيد بينها أَحْيَانًا، كما في حديث النية هذا، بل تَعَدَّاهُ إلى وحدة التشريع ووحدة الاعتقاد:


(١) ذكره السيوطي في " التدريب ": ص ٨٣، غير أنَّ ابا القاسم بن منده يرى أنَّ حديث النية رواه سبعة عشر آخر من الصحابة (راجع أسماءهم في " التدريب ": ص ٨٢) فعمر - في نظره - لم ينفرد به، ثم يرى أنه رواه عن عمر غير علقمة وعن علقمة غير محمد، وغن محمد غير يحيى (أَيْضًا " التدريب ": ص ٨٢).
وحسبنا الحافظ العراقي يرد مثل هذا الرأي ويُنَبِّهُ على أنَّ من سمى من الصحابة لم يرووا ذلك الحديث بعينه، بل رَوَوْا حَدِيثًا آخر يصح إيراده في ذلك الباب. ولم يصح حديث النية من طريق عن عمر إلاَّ الطريق المتقدمة. ذكره السيوطي في " التدريب ": ص ٨٣. ويحسن قراءة كل ما يتعلق بهذا الحديث في ص ٨٢ - ٨٣ في " التدريب ".
(٢) " التقريب ": ص ١٩٣.
(٣) وعبارة «حَدَّثَ النَّاسَ فِي ذَهَابِهِ وَرُجُوعِهِ» مألوفة في كتب التاريخ والتراجم. ومثالاً عليها اقرأ ما في " تاريخ بغداد ": ١٣/ ١١٨ في ترجمة مكي بن إبراهيم البلخي (- ٢١٥ هـ).