للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

كَمَا سَمِعْتُ مِنْ فِي رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ» (١).

وفي عصر التابعين وأتباع التابعين ظَلَّ كثير من الرُوَّاةِ يُؤَدِّ حديث رسول الله بلفظه ونصه، وإن كان آخرون منهم لا يَرَوْنَ بأسًا بالرواية على المعنى، قَالَ ابْنُ عَوْنٍ: «[أَدْرَكْتُ سِتَّةً]، ثَلاَثَةٌ مِنْهُمْ يُشَدِّدُونَ فِي الحُرُوفِ، وَثَلاَثَةٌ يُرَخِّصُونَ فِي المَعَانِي، [وَكَانَ] أَصْحَابَ الحُرُوفِ القَاسِمُ بْنُ مُحَمَّدٍ وَرَجَاءُ بْنُ حَيْوَةَ وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ، ... » (٢).

ولقد صَوَّرَ الأعمش تَشَدُّدَ الرُوَّاةِ بالحروف، فحمد لهم هذا التَشَدُّدَ وَتَغَنَّى به قائلاً: «كَانَ هَذَا الْعِلْمُ عِنْدَ أَقْوَامٍ كَانَ أَحَدُهُمْ لأَنْ يَخِرَّ مِنَ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيْهِ مِنْ أَنْ يَزِيدَ فِيهِ وَاوًا أَوْ أَلِفًا أَوْ دَالاً، وَإِنَّ أَحَدَهُمُ الْيَوْمَ يَحْلِفُ عَلَى السَّمَكَةِ أَنَّهَا سَمِينَةٌ وَإِنَّهَا لَمَهْزُولَةٌ» (٣).

فَلاَ غَرْوَ إذا حرص هؤلاء الورعون على قول النَّبِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «يَنْتَبِذُ» لا «يَنْبُذُ» (٤)، وَلاَ غَرْوَ إذا أظهروا شكهم بعبارة صريحة، فقال الراوي: «أَسْلَمُ وَغِفَارٌ أَوْ غِفَارٌ وَأَسْلَمُ» (٥) أو «نَمَى خَيْرًا» أو «نَمَّى خَيْرًا» (٦) بالتشديد أو التخفيف. وإن الأمر لأجدر بالحرص والعناية عند الرواة من هذا كله، فبعضهم يَتَحَرَّجُ من تغيير اللحن، ويبقي كلام الراوي صحابيًا كان


(١) " الكفاية ": ص ١٧٦. وابن عمر هو الصحابي الجليل عبد الله بن عمر بن الخطاب، تُوُفِّيَ سَنَةَ ٧٣ هـ.
(٢) " الجامع لأخلاق الراوي ": ٥/ ١٠١ وجه ١.
(٣) " الكفاية ": ص ١٧٨. والأعمش هو سليمان بن مهران (- ١٤٨ هـ).
(٤) " الكفاية ": ص ١٧٨.
(٥) " الكفاية ": ص ١٧٩.
(٦) " الكفاية ": ص ١٨٠.