للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المشاورة فتوكل على الله في إمضاء أمرك. على ما هو أصلح لك. واستعن بالله في أمورك. ولا تعتمد إلا عليه. والمشاورة لا تنافي التوكل. {إِنَّ اللهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِين} عليه في جميع أمورهم. فيهديهم إلى ما هو الأصلح لهم. في الدنيا والآخرة.

(وقال: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً} جماعة كافرة {فَاثْبُتُواْ} للقائهم وذلك لأن يوطنوا أنفسهم على لقاء العدو وقتاله. ولا يحدثوها بالتولي. وفي الصحيحين أنه - صلى الله عليه وسلم - قال "أيها الناس لا تتمنوا لقاء العدو واسألوا الله العافية فإذا لقيتموهم فاصبروا واعلموا أن الجنة تحت ظلال السيوف" ثم قال "اللهم منزل الكتاب ومجري السحاب وهازم الأحزاب اهزمهم وانصرنا عليهم".

قال تعالى: {وَاذْكُرُواْ اللهَ كَثِيرًا} بقلوبكم وألسنتكم عند لقاء العدو {لَّعَلَّكُمْ تُفْلَحُون} وكونوا على رجاء الفلاح والنصر والظفر {وَأَطِيعُواْ اللهَ وَرَسُولَهُ} يعني في أمر الجهاد والثبات عند لقاء العدو

{وَلاَ تَنَازَعُواْ فَتَفْشَلُواْ وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ} قوتكم {وَاصْبِرُواْ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِين} وهذا تعليم من الله لعباده آداب اللقاء وطريق الشجاعة عند مواجهة العدو.

(وقال: {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ الأَدْبَار} الآية) أي تفروا وتتركوا أصحابكم {إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُواْ زَحْفاً} فتقاربتم منهم ودنوتم إليهم {فَلاَ تُوَلُّوهُمُ} ظهوركم. فإن المنهزم يولي دبره

{وَمَن يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ} ظهره {إِلاَّ مُتَحَرِّفاً لِّقِتَالٍ} منعطفًا يرى من نفسه الانهزام وقصده طلب العزة وهو يريد الكرة {أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلَى فِئَةٍ} منضمًا صائرًا إلى جماعة المسلمين يريد العود إلى القتال فلا بأس عليه. وإلا فمن ولى ظهره بدون هذه النية فقد توعده الله بأنه {بَاء بِغَضَبٍ مِّنَ اللهِ وَمَأْوَاهُ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمَصِير}.

قال الوزير وغيره اتفقوا على أنه إذا التقى الزحفان وجب على المسلمين الحاضرين الثبات وحرم عليهم الانصراف والفرار إذ قد تعين عليهم. إلا أن يكون متحرفًا لقتال أو متحيزًا إلى فئة. أو يكون الواحد مع ثلاثة أو المائة مع ثلاثمائة. وقال ابن رشد لا يجوز الفرار عن الضعف إجماعًا. لقوله {فَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ} الآية وذكر نحو ما ذكره الوزير.

وقال مالك يجوز إن كان أعتق جوادًا أو أجود سلاحًا وأجود قوة. وسن الثبات مع عدم ظن التلف والقتال مع ظنه فهما أولى من الفرار والأسر. وكذا قال الشيخ وغيره يحرم نية الفرار من مثليهم للآيات والأخبار. وقال القتال لا يخلو إما أن يكون قتال دفع أو طلب فالأول بأن يكون العدو كثيرًا لا يطيقه المسلمون ويخافون أنهم إن انصرفوا عنهم عطفوا على من تخلف من المسلمين فهنا صرح الأصحاب بوجوب بذل مهجهم في الدفع حتى يسلموا.

ومثله لو هجم عدو على بلاد المسلمين والمقاتلة أقل من

<<  <  ج: ص:  >  >>