للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

أخرى أصرح: إسلام بلا دين إلا مجرد التسمية .. !!. ونبين فيما يلي الخطأ في هذه الاستدلالات، ثم نبين كيف اطرح هذا المذهب المخالف كل دلائل الشرع القطعية من الكتاب وَالسُنَّةِ والإجماع، وخرقوا بداهة المنطق الذي تسير عليه الحياة.

أما الخطأ في الاستدلال فيقول فيه الإمام الغزالي في " المستصفى ": (١١)

«وهذا باطل من أوجه:

الأول: إنكارهم القول بخبر الواحد غير معلوم ببرهان قاطع، بل يجوز الخطأ فيه، فهو إذن حكم بغير علم.

الثاني: إن وجوب العمل به معلوم بدليل قاطع من الإجماع فلا جهالة فيه.

الثالث: أن المراد من الآيات منع الشاهد عن جزم الشهادة بما لم يبصر ولم يسمع، والفتوى بما لم يرو ولم ينقله العدول.

الرابع: إن هذا لو دل على رَدِّ خبر الواحد لَدَلَّ على رَدِّ شهادة الاثنين والأربعة والرجل والمرأتين والحكم باليمين، فكما علم بالنص في القرآن وجوب الحكم بهذه الأمور مع تجويز الكذب، فكذلك بالإخبار.

الخامس: أنه يجب تحريم نصب الخلفاء والقضاة، لأنا لا نتيقن إيمانهم فضلاً عن ورعهم، ولا نعلم طهارة إمام الصلاة عن الجنابة والحدث فليمتنع الاقتداء» انتهى.

هذا رد للإمام الغزالي على مغالطات المنكرين للعمل بالخبر الآحادي الصحيح، وهو ظاهر في إبطال مستنداتهم، ونوضح ذلك بأسلوب آخر فنقول:

أما ما ذكروه من عدم عصمة الراوي عن الكذب أو الخطأ فهو توهم ضعيف، لا يؤبه له بإزاء ما توفر من شروط العدالة والضبط والاتصال ثم تحري السلامة من الشذوذ والإعلال، ولو فتح باب رَدِّ الأدلة والقضايا الصحيحة بالأوهام على هذا النحو لما سلم للإنسان أمر قط في شأن من شؤون حياته، والنصوص التي أوردوها قد وضعوها في غير موضعها الصحيح، وصرفوها عن المعاني التي وردت لأجلها.

وجملة ذلك أن الله تعالى نهى عباده المؤمنين أن يتبعوا ما لم يثبت عندهم بدليل مقبول في شريعة الله من نص شرعي أو برهان عقلي صحيح، وهذا معنى قوله: {وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء: ٣٦]، وقوله: {وَلاَ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ} [النساء: ١٧١] ونحوهما من النصوص التي سبق أن ذكرت، ونعى القرآن على الكافرين تقليد آبائهم من غير برهان من الله، لكنهم اتبعوا الظنون أي الأوهام التي قامت في نفوسهم وتمكنت بعامل التقليد، فقال: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لاَ يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨].

وقد توفرت الأدلة اليقينية القطعية على وجوب العمل بخبر الواحد الصحيح، وهي أدلة من الكتاب وَالسُنَّةِ والإجماع، كما نوضح فيما يلي:

أ - دلالة القرآن على حجية خبر الواحد الصحيح:

وذلك في مواضع عديدة، قال الإمام فخر الإسلام أبو الحسن البزدوي الحنفي في " أصوله " (١٢): «وَهَذَا فِي كِتَابِ اللهِ أَكْثَرُ مِنَ أَنْ يُحْصَى».

وقد عُنِيَ شارحه العلامة الأصولي عبد العزيز البخاري بالتوسع في إيرادها، مِمَّا لم يفعله غيره من الأصوليين، ونذكر طَرَفًا مِمَّا ذكره فيما يلي:


(١١) ج ١ ص ١٥٤ - ١٥٥.
(١٢) ج ١ ص ٦٩٢ بهامش شرحه " كشف الأسرار ".

<<  <   >  >>