للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الشبهة الحادية عشرة: استدلالهم بحديث: «كَانَ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ يَتَوَضَّئُونَ فِي زَمَانِ رَسُولِ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - جَمِيعًا» (١).

فلا أدري كيف يفهم منه الاختلاط، فكيف يقول النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة: «خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها ... » الحديث. وهو قد جمعهم قبل الصلاة يتوضؤون جميعاً، ثم يفوتهم وقت الصلاة، ولا ريب أن من فهم هذا الفَهم أساء بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فهماً وتشريعاً، والمقصود به غير هذا المعنى.

ويُفسر هذا الأثر ما رواه عبد الرزاق في «مصنفه»، وابن جرير الطبري في «تهذيب الآثار»: عن ابن جريج، قال: «سألت عطاء عن الوضوء الذي بباب المسجد، فقال له إنسان: إن أناساً يتوضؤون منه، قال: لا بأس به، قلت له: أكنت متوضئاً منه؟ قال: نعم، فراددته في ذلك، فقال: لا بأس، قد كان على عهد ابن عباس، وهو جعله، وقد علم أنه يتوضأ منه النساء والرجال، والأسود، والأحمر، فكان لا يرى به بأساً» (٢).

يعني يتناوبون على أواني واحدة يتوضأ منها الجميع لا تتنجس المياه بكثرتهم، ولا باختلاف أجناسهم، كما يتناوب المتأخرون على الحمامات والصنابير، وليس في ذلك دلالة على اجتماعهم في ساعة واحدة، وإنما يتناوبون، والعلماء عند الاستدلال ينظرون إلى


(١) البخاري، كتاب الوضوء، باب وضوء الرجل مع امرأته، وفضل وضوء المرأة، برقم ١٩٣.
(٢) عبد الرزاق، ١/ ٧٣، برقم ٢٣٦، وتهذيب الآثار للطبري، ٢/ ٧١٣.

<<  <   >  >>