للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ولحديث علي بن شيبان أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأى رجلاً فَرْداً يصلي خلف الصف، فوقف حتى انصرف الرجل، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: ((استقبل صلاتك فلا صلاة لرجل فرد خلف الصف)) (١)، وهذان الحديثان يدلان على بطلان صلاة الرجل الذي صلى منفرداً وحده خلف الصف (٢)،


(١) أحمد في المسند، ٤/ ٢٣، وابن ماجه، كتاب إقامة الصلاة، باب صلاة الرجل خلف الصف وحده، برقم ١٠٠٣، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، ١/ ٢٩٩، وفي إرواء الغليل، ٢/ ٣٢٨.
(٢) اختلف السلف في صلاة الرجل المأموم خلف الصف وحده، على أقوال:
القول الأول: لا يجوز ولا يصح، وممن قال بذلك النخعي، والحسن بن صالح، وأحمد، وإسحاق، وحماد، وابن أبي ليلى، ووكيع؛ لهذين الحديثين الثابتين الصريحين ..
القول الثاني: يجوز للرجل الفرد أن يصلي خلف الصف، وممن قال بذلك، الحسن البصري، والأوزاعي، ومالك، والشافعي، وأصحاب الرأي، واستدلوا بحديث أبي بكرة، قالوا: لأنه أتى ببعض الصلاة خلف الصف ولم يأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - بالإعادة، ومما تمسكوا به أيضاً: حديث ابن عباس عند البخاري، برقم ٦٣١٦، ومسلم، برقم ٧٦٣،وحديث جابر عند مسلم، برقم ٧٦٦، إذ جاء كل واحد منهما فوقف عن يسار النبي - صلى الله عليه وسلم - مؤتمّاً به وحده، فأدار كل واحد منهما حتى جعله عن يمينه، فعلى هذا فقد صار كل واحد منهما خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الإدارة. وهذا متمسك غير مفيد؛ لأن المدار من اليسار إلى اليمين لا يسمى مصليّاً خلف الصف، وإنما هو مصل عن اليمين، وهذا القول الثاني هو قول أكثر أهل العلم إن الصلاة منفرداً خلف الصف صحيحة سواء كان لعذر أو غير عذر، ولو كان في الصف سعة، وهو رواية عن أحمد أيضاً.
القول الثالث: قال بعض العلماء: المسألة فيها تفصيل، فإن صلى خلف الصف منفرداً لعذر صحت الصلاة، وإن لم يكن له عذر لم تصح الصلاة. واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية، وتلميذه ابن القيم، وعبد الرحمن بن ناصر السعدي، ومحمد بن صالح العثيمين. انظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٤٩، ونيل الأوطار للشوكاني،
٢/ ٤٢٩، وسبل السلام للصنعاني، ٣/ ١١٠ - ١١١، والشرح الممتع لابن عثيمين، ٤/ ٣٦٧ - ٣٨٥، وفتاوى ابن باز، ١٢/ ٢١٩ - ٢٢٩، والمختارات الفقهية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ص١٠٨، وفتاوى ابن تيمية، ٢٣/ ٣٩٣ - ٤٠٠، وإعلام الموقعين لابن القيم، ٢/ ٤١، والفتاوى السعدية ١/ ١٧١، والمختارات الجلية للسعدي، ص٦٢.
وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز - رحمه الله - يرجح القول الأول وذلك أثناء تقريره على بلوغ المرام، الحديث رقم ٤٤٣ و٤٤٤، فيقول: ((هذان الحديثان يدلان على أنه لا صلاة لمنفرد خلف الصف، وكما يدل عليه حديث أبي بكرة المتقدم: زادك الله حرصاً ولا تعد، والمراد: لا تركع خلف الصف، فدل ذلك على أن من ركع دون الصف ثم دخل في الصف أو جاء معه آخر قبل الاستمرار في السجود فلا حرج، أما إذا استمر وسجد، فإنه يؤمر بالإعادة جمعاً بين النصوص. وذهب الأكثرون إلى صحة الصلاة، وأنه من باب الأدب ومن الكمال، وليس من باب الإيجاب، والحق قول من قال: بالوجوب؛ لأن هذا هو الأصل في النفي ((لا صلاة لمنفرد خلف الصف)) هذا هو الأصل، ثم فعل النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمره أن يعيد يوضح هذا المعنى، وأن المراد نفي الإجزاء، واحتج بعضهم بأن الإمام يصلي وحده، وهذه حجة باطلة؛ لأن الإمام مأمور بهذا فلا يقاس ما أمر به على ما نهي عنه)).

<<  <   >  >>