للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المبحث السادس: زكاة الدين على النحو الآتي

١ - الصواب من أقوال أهل العلم أن الدين الذي ينقص النصاب لا يمنع الزكاة, ومثاله: رجل يملك عشرة آلاف ريال حال عليها الحول, وعليه دينٌ يبلغ خمسة آلاف ريال, فعليه زكاة العشرة إلا أن يقضي الدين قبل أن يحول عليه الحول, فليس عليه زكاة إلا في الباقي بعد الدين, وكذلك لو كان عليه دين يستغرق النصاب أو يزيد عليه فعليه زكاة المال الذي يحول عليه الحول وهو عنده, ومثال ذلك: رجل عليه دين ثلاثون ألفاً وعنده خمسة وعشرون ألفاً دار عليها الحول, إنه يزكي

كل ما دار عليه الحول، وإن كان صادقاً فليقضِ الدين قبل أن يحول الحول؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمر عماله بأخذ الزكاة ممن عليه زكاة, ولم يأمرهم أن يسألوهم:

هل عليهم دين أم لا؟ ولو كان الدين يمنع الزكاة؛ لأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - عماله أن يستفسروا من أهل الزكاة: هل عليهم دين؟ (١) , وهو قول ربيعة, وحماد بن أبي سليمان, والشافعي في جديد قوليه؛ لأن المالك حر مسلم, ملك نصاباً حولاً فوجبت عليه الزكاة كمن لا دين عليه (٢).


(١) المغني لابن قدامة، ٦/ ٢٦٣، والشرح الكبير مع المقنع والإنصاف، ٦/ ٣٣٨.
(٢) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في زكاة من ملك نصاباً حال عليه الحول وعليه دين ينقص النصاب أو يستغرقه على أقوال:
القول الأول: إن الدين يمنع الزكاة مطلقاً، سواء كانت الأموال باطنة: من الذهب أو الفضة، أو عروض التجارة أو كانت ظاهرة كالسائمة من الإبل، والبقر والغنم، والحبوب والثمار. وهي رواية واحدة عن الإمام أحمد في الأموال الباطنة، أما الأموال الظاهرة فهي إحدى الروايتين عنه.
القول الثاني: وهو الرواية الثانية عن الإمام أحمد: إن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة [المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٦، والمقنع والشرح الكبير والإنصاف، ٦/ ٣٣٨ - ٣٤٢].
القول الثالث: إن الدين لا يمنع الزكاة مطلقاً: لا في الأموال الظاهرة ولا الباطنة، بل تجب ولو كان على الإنسان دين يستغرق النصاب أو ينقصه إذا حال عليه الحول، وهو قول ربيعة بن أبي عبد الرحمن وحماد بن أبي سليمان، والشافعي في الجديد، قال شيخنا الإمام ابن باز: ((وهو الصواب ... عملاً بعموم الأدلة، وعدم المخصص الذي يحسن الاعتماد عليه والله أعلم)) [مجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٣٠ - ٣١، وانظر: المغني لابن قدامة، ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٥، والشرح الكبير، ٦/ ٣٤٠].
قال المرداوي في الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، ٦/ ٣٣٨ - ٣٤٠: ((ولا زكاة في مال من عليه دين ينقص النصاب هذا هو المذهب إلا ما استثني وعليه أكثر الأصحاب، وعنه لا يمنع الدين الزكاة مطلقاً، وعنه يمنع الدين الحال خاصة. جزم به في ((الإرشاد)) وغيره. وقال المرداوي: ((إذا لم يمنع دين الآدمي الزكاة فدين الله من الكفارات والنذور ودين الحج ونحوه لا يمنع بطريق أولى. [الإنصاف (٣/ ٣٤٨].
واستدل أصحاب القول الأول الذين قالوا: إن الدين يمنع الزكاة بما ثبت عن عثمان - رضي الله عنه - أنه كان يقول: ((هذا شهر زكاتكم فمن كان عليه دين فليؤد دينه، حتى تحصل أموالكم فتؤدون منه الزكاة)) [رواه مالك في الموطأ، ١/ ٢٥٣، وابن أبي شيبة، ٤/ ٤٨، والبيهقي، ٤/ ١٤٨، وصححه الألباني في الإرواء، ٣/ ٢٦٠]، ولكن هذا يؤكد أن الدين إذا كان حالاً قبل وجوب الزكاة؛ فإنه يُقضى لسبق حق الدائن فهو أحق بالتقديم على الزكاة؛ لأن الزكاة لا تجب إلا إذا تم الحول، فإذا قضى الدين قبل مضي الحول فلا زكاة عليه إلا فيما بقي إذا بلغ نصاباً [الشرح الممتع، ٦/ ٣٦].
واستدل أصحاب القول الثاني الذين قالوا: إن الدين لا يمنع الزكاة في الأموال الظاهرة, ويمنعها في الباطنة بعمومات النصوص، وأن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يبعث العمال الذين يقبضون الزكاة من أصحاب المواشي وأصحاب الثمار, ولا يأمرهم بالاستفصال: هل عليهم دين أم لا؟
واستدل أصحاب القول الثالث بما استدل به أصحاب القول الثاني، وبقوله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: ١٠٣] وبعمومات الأدلة، وهذا عام في إيجاب الزكاة عند بلوغ النصاب, ولو كان هناك دين على المالك.
انظر الأدلة على هذه الأقوال: الشرح الممتع، ٦/ ٣٣ - ٣٩، والروض المربع بتحقيق عبد الله الطيار، والغصن، والمشيقح، ٤/ ٢٢، ومجموع فتاوى ابن باز، ١٤/ ٤٩ - ٥٢، جمع الشويعر، وجمع الطيار، وأحمد الباز، ٥/ ٣٠، والمغني، ٤/ ٢٦٣ - ٢٦٩.

<<  <   >  >>