للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

* وأما قطرة العين، والأذن، والكحل، فلا تفطر الصائم في أصح قولي العلماء (١)؛ لأنها ليست غذاء، ولا بمعنى الغذاء، وليست العين، والأذن من منافذ الطعام ولا الشراب، ولكن استعمال: قطرة العين وقطرة الأذن، والكحل في الليل أفضل خروجاً من الخلاف، ولا يجب ذلك (٢) ولكن هذا هو الأحوط (٣) والله تعالى أعلم.


(١) عن عائشة رضي الله عنها قالت: ((اكتحل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو صائم)) [أخرجه ابن ماجه، كتاب الصيام، باب ما جاء في السواك والكحل للصائم، برقم ١٦٧٨، وصححه الألباني في صحيح سنن ابن ماجه، ٢/ ٦٨]، وثبت عن أنس بن مالك - رضي الله عنه - ((أنه كان يكتحل وهو صائم)). [أخرجه أبو داود، كتاب الصوم، باب في الكحل عند النوم للصائم، برقم ٢٣٧٨، وحسنه الألباني موقوفاً، في صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٦٣]. وعن الأعمش قال: ما رأيت أحداً من أصحابنا يكره الكحل للصائم، وكان إبراهيم يُرخِّص أن يكتحل الصائم بالصبر)). [أخرجه أبو داود، برقم ٢٣٧٩، وقال الألباني في صحيح سنن أبي داود، ٢/ ٦٣: ((حسن)).
(٢) مجموع فتاوى ابن باز، ١٥/ ٢٥٧ - ٢٦٤، وقال: ((قطرة العين، والأذن لا يفطر بهما الصائم، في أصح قولي العلماء، فإن وجد طعم القطور في حلقه، فالقضاء أحوط ولا يجب؛ لأنهما ليسا منفذين للطعام والشراب، أما قطرة الأنف فلا تجوز؛ لأن الأنف منفذ ... )). [مجموع الفتاوى له، ١٥/ ٢٦٠ - ٢٦١] وانظر: فتاوى ابن عثيمين، ١٩/ ٢٠٦، وقيد ذلك بقوله: ((إن وصلت إلى المعدة)). وانظر: مجلة المجمع الفقهي، العدد، ١٠، ٢/ ٨١. وقد بحث ذلك ابن تيمية رحمه الله بحثاً لا مزيد عليه في مجموع الفتاوى، ٢٥/ ٢٣٣ - ٢٤٤.
(٣) اختلف العلماء رحمهم الله تعالى في إفطار الصائم بما يدخل إلى الجوف:
فمذهب الإمام أحمد أنه يفطر بكل ما أدخله إلى جوفه أو مجوَّفٍ في جسده، كدماغه وحلقه ونحو ذلك مما ينفذ إلى معدته إذا وصل باختياره، وكان مما يمكن التحرز منه، سواء وصل من الفم على العادة، أو غير العادة، كالوجور [الدواء يصب في الحلق] واللدود [وهو ما يصب بالمسعط من الدواء في أحد شقي الفم] أو من الأنف كالسعوط، أو ما يدخل من الأذن إلى الدماغ، أو ما يدخل من العين إلى الحلق، كالكحل، أو ما يدخل من الدبر بالحقنة، أو ما يصل من مداواة الجائفة [الجراحة تصل للجوف] إلى جوفه، أو من دواء المأمومة [وهي التي تصل إلى الدماغ وهي أشد الشجاج] إلى دماغه، فهذا كله يفطر؛ لأنه يصل إلى جوفه باختياره فأشبه الأكل فوصل إلى جوفه، وسواء استقر في جوفه أو عاد فخرج منه، وبهذا كله: قال الإمام أحمد والشافعي.
وأما مالك فقال: لا يفطر بالسعوط إلا أن ينزل إلى حلقه، ولا يفطر إذا داوى المأمومة والجائفة، واختلف عنه في الحقنة، واحتج له بأنه لم يصل إلى الحلق منه شيء أشبه ما لم يصل إلى الدماغ ولا الجوف)). المغني، لابن قدامة، ٤/ ٣٥٢ - ٣٥٣، وانظر: المقنع، والشرح الكبير والإنصاف،
٧/ ٤١١ - ٤١٢، ولكن قال: ((وبهذا كله قال الشافعي إلا في الكحل)). أما في المغني، ٤/ ٣٥٣، فقال: ((وبهذا كله قال الشافعي)) ولم يستثن الكحل.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى: ٢٥/ ٢٣٣: ((وأما الكحل، والحقنة، وما يقطر في إحليله، ومداواة المأمومة، والجائفة فهذا مما تنازع فيه أهل العلم:
فمنهم من لم يفطر بشيء من ذلك، ومنهم من فطر بالجميع إلا بالكحل، ومنهم من فطر بالجميع إلا بالتقطير، ومنهم من لم يفطر بالكحل ولا بالتقطير ويفطر بما سوى ذلك.
والأظهر أنه لا يفطر بشيء من ذلك، فإن الصيام من دين المسلمين الذي يحتاج إلى معرفته الخاص والعام، فلو كانت هذه الأمور مما حرمه الله ورسوله في الصيام، ويفسد الصوم بها لكان هذا مما يجب على الرسول [- صلى الله عليه وسلم -] بيانه، ولو ذكر ذلك لعلمه الصحابة وبلَّغوه الأمة، كما بلَّغوا سائر شرعه، فلما لم ينقل أحد من أهل العلم عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في ذلك حديثاً صحيحاً ... علم أنه لم يذكر شيئاً من ذلك، والحديث المروي في الكحل ضعيف ... )). وقال، ٢٥/ ٢٣٥: ((والذين قالوا: إن هذه الأمور تفطر، كالحقنة، ومداواة المأمومة، والجائفة لم يكن معهم حجة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، وإنما ذكروا ذلك بما رأوه من القياس، وأقوى ما احتجوا به قوله [- صلى الله عليه وسلم -]: ((وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائماً)) قالوا: فدل ذلك على أن ما وصل إلى الدماغ يفطر الصائم إذا كان بفعله، وعلى القياس كل ما وصل إلى جوفه بفعله من حقنة وغيرها، سواء كان ذلك في موضع الطعام والغذاء أو غيره ... )). وقال في ٢٥/ ٢٤١: (( ... فمعلوم أن الكحل ونحوه مما تعم به البلوى كما تعم بالدهن، والاغتسال، والبخور، والطيب، فلو كان هذا مما يفطر لبينّه النبي - صلى الله عليه وسلم -، كما بين الإفطار بغيره، فلما لم يبين ذلك، علم أنه من جنس الطيب والبخور، والدهن، والبخور قد يتصاعد إلى الأنف ويدخل في الدماغ، وينعقد أجساماً، والدهن يشربه البدن ويدخل إلى داخله، ويتقوى به الإنسان، وكذلك يتقوى بالطيب قوة جيدة، فلما لم ينهَ الصائم عن ذلك دلّ على جواز تطييبه وتبخيره، وادهانه، وكذلك اكتحاله. وقد كان المسلمون في عهده - صلى الله عليه وسلم - يجرح أحدهم إما في الجهاد وإما في غيره: مأمومة، وجائفة، فلو كان هذا يفطر لبين لهم ذلك، فلما لم ينهَ الصائم عن ذلك علم أنه لم يجعله مفطراً ... )). وقال في ٢٥/ ٢٤٢: ((ليس في الأدلة ما يقتضي أن المفطر الذي جعله الله ورسوله مفطراً هو ما كان واصلاً إلى دماغٍ، أو بدنٍ، أو ما كان داخلاً من منفذٍ، أو واصلاً إلى جوفٍ، ونحو ذلك من المعاني التي يجعلها أصحاب هذه الأقاويل هي مناط الحكم عند الله ورسوله ... )). ثم قال: ((وإذا لم يكن على تعليق الله ورسوله للحكم بهذا الوصف دليل كان قول القائل: إن الله ورسوله إنما جعلا هذا مفطراً لهذا قولاً بلا علم ... )). ثم قال في
٢٥/ ٢٤٤: ((ومعلوم أن النص والإجماع أثبتا الفطر: بالأكل، والشرب، والجماع، والحيض، والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد نهى المتوضئ عن المبالغة في الاستنشاق إذا كان صائماً، وقياسهم على الاستنشاق أقوى حججهم كما تقدم، وهو قياس ضعيف، وذلك أن من استنشق الماء بمنخريه ينزل الماء إلى حلقه وإلى جوفه، فحصل له بذلك مايحصل للشارب بفمه، ويغذي بدنه من ذلك الماء ويزول العطش ... )). وانظر بالتفصيل: مجموع الفتاوى له، ٢٥/ ٢١٩ - ٢٥٨، وهي مفردة في رسالة بعنوان: حقيقة الصيام لشيخ الاسلام ابن تيمية، مأخوذة من هذا الموضع من الفتاوى.

<<  <   >  >>