للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ورأى أكثر أهلها النساء (١)، وأخبر عن فتنة القبر وعذاب القبر (٢)، ورأى امرأة تعذَّب في النار في هرة حبستها، ورأى فيها سارق الحاج صاحب المحجن (٣)، ورأى عمرو بن لحي الذي غيَّر دين إبراهيم يجر أمعاءه في النار (٤)، ورأى فيها سارق بدنتي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - (٥)، وقال: ((إنه عرض عليّ كل شيء تولجونه)) (٦)، أي تدخلونه: من جنة، ونار، وقبر، ومحشر (٧).

فهذه خطبة عظيمة وعظ فيها النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه موعظة بليغة (٨).


(١) متفق عليه: البخاري، برقم ١٠٥٢، ومسلم برقم ٩٠٧، وتقدم تخريجه.
(٢) البخاري، برقم ٩٢٢، ١٠٥٣، ومسلم، برقم ٩٠٣، وتقدم تخريجه.
(٣) مسلم، برقم ٩٠١. وتقدم تخريجه.
(٤) البخاري، برقم ٤٦٢٤، ومسلم، برقم ٩٠١، وتقدم تخريجه.
(٥) النسائي، برقم ١٤٩٥، وتقدم تخريجه.
(٦) مسلم، برقم ٩٠٤، و٩٠١، والبخاري أيضًا برقم، ٤٦٢٤، وتقدم تخريجه.
(٧) شرح النووي على صحيح مسلم، ٦/ ٤٦٠.
(٨) اختلف العلماء رحمهم الله في خطبة صلاة الكسوف، فقال الإمام النووي رحمه الله ((اختلف العلماء في الخطبة لصلاة الكسوف فقال الشافعي، وإسحاق، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث يستحب بعدها خطبتان، وقال مالك وأبو حنيفة: لا يستحب ذلك، ودليل الشافعي الأحاديث الصحيحة، في الصحيحين وغيرهما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خطب بعد صلاة الكسوف))، [شرح النووي على صحيح مسلم،٦/ ٤٥٤] وقال المرداوي رحمه الله: ((ظاهر كلام المصنف أنه لا خطبة لها، وهو صحيح، وهو المذهب، وعليه جماهير الأصحاب، قال المصنف والشارح: لا خطبة لصلاة الكسوف، قال الزركشي: عليه الصحاب، قال ابن رجب في شرح البخاري هذا ظاهر المذهب، انتهى، وعنه يشرع بعد صلاتها خطبتان سواء تجلّى الكسوف أو لا، اختارها ابن حامد، والقاضي في شرح المذهب، وحكاه عن الأصحاب، وقدمه ابن رجب في شرح البخاري، وأطلقهما ابن تميم، وقال في النصيحة أحب أن يخطب بعدها، وقيل: يخطب خطبة واحدة من غير جلوس، وأطلق جماعة من الأصحاب في استحباب الخطبة روايتين، ولم يذكر القاضي وغيره نصًّا عن أحمد، أنه لا يخطب، وإنما أخذوه من نصه لا خطبة في الاستسقاء، وقال أيضًا: لم يذكر لها أحمد خطبة)). [الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، المطبوع مع المقنع والشرح الكبير،
٥/ ٤٠٤]، [وانظر: المغني لابن قدامة، ٣/ ٣٢٨]، وقال ابن الملقن في الإعلام: ((فيه شرعية الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لقولها: ((فخطب فحمد الله وأثنى عليه)) وهو ظاهر الدلالة في أن لصلاة الكسوف خطبة، وبه قال الشافعي، وابن جرير، وفقهاء أصحاب الحديث، قالوا: يستحب بعدها خطبتان، ولم ير ذلك مالك وأبو حنيفة، وأحمد، ووافقنا أحمد في رواية ... )). [الإعلام بفوائد عمدة الأحكام، ٤/ ٢٩٩ - ٣٠٠] وقال الحافظ ابن حجر على قول البخاري: ((باب خطبة الإمام في الكسوف)) ((اختلف في الخطبة فيه، فاستحبها الشافعي وإسحاق، وأكثر أصحاب الحديث، قال ابن قدامة لم يبلغنا عن أحمد رحمه الله أن لها خطبة، وقال صاحب الهداية من الحنفية: ليس في الكسوف خطبة؛ لأنه لم ينقل، وتعقب بأن الأحاديث ثبتت فيه وهي ذات كثرة، والمشهور عند المالكية أن لا خطبة لها، مع أن مالكًا روى الحديث وفيه ذكر الخطبة، وأجاب بعضهم بأنه - صلى الله عليه وسلم - لم يقصد لها خطبة بخصوصها، وإنما أراد أن يبين لهم الرد على من يعتقد أن الكسوف لموت بعض الناس، وتعقب بما في الأحاديث الصحيحة من التصريح بالخطبة، وحكاية شرائطها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وغير ذلك، مما تضمنته الأحاديث، فلم يقتصر على الإعلام بسبب الكسوف، والأصل مشروعية الاتباع، والخصائص لا تثبت إلا بدليل، وقد استضعف ابن دقيق العيد التأويل المذكور، وقال: إن الخطبة لا تنحصر مقاصدها في شيء معين بعد الإتيان بما هو المطلوب منها من: الحمد، والثناء، والموعظة، وجميع ما ذكر من سبب الكسوف وغيره هو من مقاصد خطبة الكسوف، فينبغي التأسي بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فيذكر الإمام ذلك في خطبة الكسوف، نعم نازع ابن قدامة في كون خطبة الكسوف كخطبتي الجمعة والعيدين، إذ ليس في الأحاديث المذكورة ما يقتضي ذلك، وإلى ذلك نحا ابن المنير في حاشيته، ورد على من أنكر أصل الخطبة، لثبوت ذلك صريحًا في الأحاديث، وذكر أن بعض أصحابهم احتج على ترك الخطبة بأنه لم ينقل في الحديث أنه صعد المنبر، ثم زيفه بأن المنبر ليس شرطًا، ثم لا يلزم من أنه لم يذكر أنه لم يقع [فتح الباري لابن حجر، ٢/ ٥٣٤] وقد أيده في الدراية في تخريج أحاديث الهداية على قوله: ((وليس في الكسوف خطبة لأنه لم ينقل)) هذا النفي مردود بما في الصحيحين عن أسماء ثم ساق لفظه، وفي المتفق عليه عن ابن عباس، وعائشة، ومسلم عن جابر، ولأحمد والحاكم عن سمرة، ولابن حبان عن عمرو بن العاص، وصرح أحمد والنسائي وابن حبان في روايتهم ((بأنه صعد المنبر)) [الدراية في تخريج الهداية، ١/ ٢٢٥]، [وانظر: المغني، لابن قدامة، ٣/ ٣٢٨].
واختار العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه الله أن صلاة الكسوف يُسًنُّ لها خطبة واحدة، قال: ((وذلك لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - لَمّا انتهى من صلاة الكسوف قام فحمد الله، وأثنى عليه، ثم قال: أما بعد، ثم وعظ الناس، وهذه الصفات صفات الخطبة ... )). [الشرح الممتع على زاد المستقنع، ٥/ ٢٤٩].وسمعت شيخنا الإمام عبد العزيز بن عبد الله ابن باز رحمه الله يقول أثناء تقريره على منتقى الأخبار لابن تيمية، الحديث رقم ١٧١٨: ((ويعظ الإمام الناس ويذكرهم))، وقال رحمه الله: ((تُسَنُّ الخطبة بعد صلاة الكسوف؛ لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - فعل ذلك)). [مجموع فتاوى ابن باز، ١٣/ ٤٤].
واختا ذلك العلامة عبد الرحمن بن محمد بن قاسم في الإحكام شرح أصول الأحكام، ١/ ٥٠٣.
وقال الشوكاني في نيل الأوطار، ٢/ ٦٣٥: ((فيه استحباب الخطبة بعد صلاة الكسوف)).

<<  <   >  >>