للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقال الإمام أحمد: ((إذا أُعيي في الطواف لا بأس أن يستريح)) (١).

الشرط التاسع: النية؛ لقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى)) (٢). فإذا لم ينوِ الطواف وإنما جعل يدور حول الكعبة؛ ليتابع مديناً له، يطالبه بدين، أو لأي غرض من الأغراض، فإنه لا يصح طوافه؛ للحديث المذكور آنفاً، فهو لم ينوِ الطواف بل نوى متابعة غريم، أو متابعة إنسان يريد أن يتكلم معه، ويمشي معه حتى ينتهي من طوافه، أو ما أشبه ذلك، فهذا لا يصح طوافه (٣) (٤).


(١) المغني لابن قدامة (٥/ ٢٤٨).
(٢) متفق عليه: البخاري، برقم ١، ومسلم، برقم ١٩٠٧، وتقدم تخريجه.
(٣) انظر: الشرح الممتع لابن عثيمين (٧/ ٢٨٧).
(٤) ولكن لو نوى الطواف مطلقاً، دون أن ينويه للعمرة، أو الحج، مثلاً، فهل يجزئ؟ قال العلامة محمد بن صالح العثيمين رحمه اللَّه: (( ... في ذلك خلاف بين العلماء:
فمنهم من قال: لا يجزئ بل يجب أن ينوي الطواف للعمرة، أو الطواف للحج، أو الطواف للوداع، أو الطواف تطوعاً، كطواف القدوم، وأما مجرد الطواف فلا يجزئ، وهذا المشهور من المذهب: أنه لا بد أن يُعيِّن الطواف.
وقال بعض العلماء: إنه لا يشترط التعيين، بل يشترط نية الطواف؛ لأن الطواف جزء من العبادة، فكانت النية الأولى محيطة بالعبادة بجميع أجزائها، وقاس ذلك على الصلاة، وقال الصلاة فيها ركوع، وسجود، وقيام، وقعود فلا يجب أن ينوي لكل ركن من أركانها نية مستقلة بل تكفي النية الأولى.
وعلى هذا فإن نوى العمرة كانت هذه النية شاملة للعمرة من حين أن يحرم إلى أن يحل منها، والطواف جزء من العمرة.
فإذا جاء إلى البيت الحرام وطاف وغاب عن قلبه أنه للعمرة، أو لغير العمرة، فعلى هذا القول يكون الطواف صحيحاً، وهذا القول هو الراجح مادام متلبساً بالنسك. فلا بد من نية للطواف لكن على هذا القول تجزئ النية المطلقة؛ لأنها داخلة في نية الدخول في النسك عند الإحرام، ولكن قال الإمام ابن قدامة رحمه اللَّه: إنه يُعين طواف الإفاضة بالنية فقال: ((والنية شرط في هذا الطواف، وهذا قول إسحاق، وابن القاسم صاحب مالك، وابن المنذر)). وقال الإمام الخرقي رحمه اللَّه: ((وإن كان طاف للوداع لم يجزه لطواف الزيارة)). قال ابن قدامة: ((وإنما لم يجزئه عن طواف الزيارة؛ لأن تعيين النية شرط فيه على ما ذكرنا، فمن طاف للوداع فلم يُعين النية له فكذلك لم يصح)).
قال الشيخ ابن عثيمين رحمه اللَّه: ((ومع كونه الراجح نظراً هو الأيسر بالناس؛ لأن الإنسان مع الزحام ربما يغيب عن ذهنه أنه نوى أن يطوف للعمرة، فلو قلنا لا بد من تعيين الطواف للنسك المعين لكان في هذا مشقة على الناس، أما إذا قلنا بالقول الراجح: أن نية العبادة تنسحب على جميع العبادة بجميع أجزائها فلا شك أن هذا أيسر للناس، ونظير هذه المسألة مرت علينا في الصلاة، وهي: لو أنه دخل في صلاة الظهر بنية أنها فرض الوقت وغاب عن ذهنه تعيين الظهر، فإن القول الراجح أنها تجزئ، وتصح. انظر: الشرح الممتع، ٢/ ٢٨٦. لأنك ولو سألت هذا الرجل ماذا أردت بهذه الصلاة؟ لكان الجواب: الظهر، والإنسان قد يذهل عن التعيين وقد يأتي والإمام راكع مثلاً، فيدخل في الصلاة بسرعة، ولا يعين النية)). الشرح الممتع، ٧/ ٢٨٨.
وقال ابن مفلح في الفروع، ٦/ ٣٨: ((وإن قصد في طوافه غريماً وقصد معه طوافاً بنية حقيقية لا حكمية توجه الإجزاء ... )).وقال ابن قدامة في الشرح الكبير،٩/ ١١٣: ((والنية شرط في الطواف إن تركها لم تصح؛ لأنها عبادة تتعلق بالبيت، فاشترطت لها النية، كالصلاة؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم -[بين أن] الطواف بالبيت صلاة، والصلاة لا تصح بدون نية)). وانظر: الكافي لابن قدامة، ٢/ ٤١٢.
قال العلامة الشنقيطي رحمه اللَّه في أضواء البيان، ٥/ ٢٢٧: ((اعلم أن أظهر أقوال العلماء وأصحها إن شاءاللَّه: أن الطواف لا يفتقر إلى نية تخصه؛ لأن نية الحج تكفي فيه، وكذلك سائر أعمال الحج، كالوقوف بعرفة، والمبيت بمزدلفة، والسعي، والرمي كلها لا تفتقر إلى نية؛ لأن نية النسك بالحج تشمل جميعها، وعلى هذا أكثر أهل العلم، ودليله واضح؛ لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، وعلى هذا أكثر أهل العلم، ودليله واضح؛ لأن نية العبادة تشمل جميع أجزائها، فكما لا يحتاج كل ركوع وسجود من الصلاة إلى نية خاصة؛ لشمول نية الصلاة لجميع ذلك، فكذلك لا تحتاج أفعال الحج لنية تخص كل واحد منها؛ لشمول نية الحج لجميعها)).
وقد ذكر شروط للطواف تحتاج إلى تفصيل ودراسة تميز كل قول، فمن ذلك: قال في منار السبيل، ١/ ٣٣٩: ((وشروط صحة الطواف أحد عشر: ١ - النية. ٢ - الإسلام. ٣ - العقل.
٤ - دخول وقته. ٥ - ستر العورة. ٦ - اجتناب النجاسة. ٧ - الطهارة من الحدث. ٨ - تكميل السبع. ٩ - جعل البيت عن يساره. ١٠ - كونه ماشياً مع القدرة. ١١ - الموالاة)). وزاد عليها الشيخ عبد اللَّه بن عبد الرحمن بن جاسر في كتابه مفيد الأنام، ١/ ٢٦٨: ((ويشترط لصحة الطواف ثلاثة عشر شيئاً: الإسلام، والعقل، والنية، وستر العورة، والطهارة من الحدث، وطهارة الخبث، وتكميل السبع، وجعل البيت عن يساره، والطواف بجميع البيت، وأن يطوف ماشياً مع القدرة على المشي، وأن يوالي بينه إلا إذا حضرت جنازة أو أقيمت صلاة، وأن لا يخرج من المسجد أعني أن يطوف بالمسجد، وأن يبتدئ من الحجر الأسود فيحاذيه بكل بدنه)). وانظر: نحو هذه الشروط: الشرح الكبير لابن قدامة، ٩/ ١٢٣، وكأن ابن جاسر أخذ هذه الشروط من الإقناع لطالب الانتفاع، ٢/ ١٢.
وقال ابن قدامة: ((وقال الثوري، الشافعي، وأصحاب الرأي: يجزئه وإن لم ينو الفرض الذي عليه، ولنا قول النبي - صلى الله عليه وسلم -: ((إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى))؛ ولأن النبي - صلى الله عليه وسلم - سماه صلاة، والصلاة لا تصح إلا بالنية اتفاقاً))، المغني، ٥/ ٣٤٦. وانظر: الشرح الممتع، ٧/ ٣٦٩،
٧/ ٤٠١، فقد فصَّل في ذلك تفصيلاً جيداً.

<<  <   >  >>