للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مَقْصُودِ الِاسْتِتَارِ وَالِاحْتِجَابِ: كَانَ لِلنِّسَاءِ، وَكَانَ ضِدُّهُ لِلرِّجَالِ.

وَأَصْلُ هَذَا: أَنْ تَعْلَمَ أَنَّ الشَّارِعَ لَهُ مَقْصُودَانِ:

أَحَدُهُمَا: الْفَرْقُ بَيْنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ.

والثَّانِي احْتِجَابُ النِّسَاءِ، فَلَوْ كَانَ مَقْصُودُهُ مُجَرَّدَ الْفَرْقِ لَحَصَلَ ذَلِكَ بِأَيِّ وَجْهٍ حَصَلَ بِهِ الِاخْتِلَافُ، وَقَدْ تَقَدَّمَ فَسَادُ ذَلِكَ، بَلْ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِاللِّبَاسِ إظْهَارُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْمُسْلِمِ وَالذِّمِّيِّ، لِيَتَرَتَّبَ عَلَى كُلٍّ مِنْهَا مِنْ الْأَحْكَامِ الظَّاهِرَةِ مَا يُنَاسِبُهُ ...

وَكَذَلِكَ أَيْضًا: لَيْسَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ حَجْبِ النِّسَاءِ وَسَتْرِهِنَّ دُونَ الْفَرْقِ بَيْنَهُنَّ وَبَيْنَ الرِّجَالِ؛ بَلْ الْفَرْقُ أَيْضًا مَقْصُودٌ، حَتَّى لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الصِّنْفَيْنِ اشْتَرَكُوا فِيمَا يَسْتُرُ وَيَحْجُبُ، بِحَيْثُ يُشْتَبَهُ لِبَاسُ الصِّنْفَيْنِ لَنُهُوا عَنْ ذَلِكَ.

وَاَللَّهُ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ هَذَا الْمَقْصُودَ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ} (١)، فَجَعَلَ كَوْنَهُنَّ يُعْرَفْنَ بِاللِّبَاسِ الْفَارِقِ أَمْرًا مَقْصُودًا.

وَلِهَذَا جَاءَتْ صِيغَةُ النَّهْيِ بِلَفْظِ التَّشَبُّهِ بِقَوْلِهِ - صلى الله عليه وسلم -: «لَعَنَ اللَّهُ الْمُتَشَبِّهَاتِ مِنْ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، والمتشبهين مِنْ الرِّجَالِ بِالنِّسَاءِ» (٢)،


(١) سورة الأحزاب، الآية: ٥٩.
(٢) أحمد، / ٣٣٠، برقم ٣٠٦٠، وأبو داود، كتاب اللباس، باب في لباس النساء، برقم ٤٠٩٧)، والترمذي، كتاب الأدب، باب ما جاء في المتشبهات بالرجال من النساء، برقم ٢٧٨٤، وقال: «حسن صحيح». وابن ماجه، كاب النكاح، باب في المخنثين، برقم ١٩٠٤، والطبراني، ١١/ ٢٠٤، برقم ١١٥٠٢، وصححه الألباني في صحيح الترغيب والترهيب، برقم ٢٠٦٨.

<<  <   >  >>